Al Jazirah NewsPaper Saturday  08/11/2008 G Issue 13190
السبت 10 ذو القعدة 1429   العدد  13190
انتخاب أوباما انتصار للثقافة الغربية
عبدالعزيز السماري

جاء انقلاب أبيض برئيس أسود للبيت الأبيض في سابقة تاريخية، وفي زمن يعتبر قصيراً منذ ثورة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة قبل خمسين عاماً، وما حدث يعد بمقاييس هذا الزمان ثورة

ثقافية اكتملت فصولها وسط أجواء احتفالية لا دموية، مثلما هو الحال في بقية فصول التاريخ القديم، فالنظام الديموقراطي الغربي أثبت أنه آلية صالحة لكل زمان ومكان، وأن تكريس ثقافة الديموقراطية وأساليبها الحديثة ضرورة لا بد منها من أجل مستقبل بلا كوارث في دول العالم الثالث، والحل يمكن في البدء في تفعيل الأسلوب الديموقراطي في الواقع، وفي تنشئة الأجيال القادمة على مفاهيم وثقافة الاختيار..

نجح الشعب الأمريكي في اختيار التغيير من أجل تحسين صورة أمريكا الدموية والعنيفة في العالم، وكان الفضل للإرث السياسي الأمريكي ولدعوة إبراهام لنكولن، ولفعاليات المجتمع المدني الذي يسمح بإحداث التغيير في أجواء سلمية وهادئة، وبانتخاب أوباما احتفل العالم بدخول مرحلة جديدة ربما تكون الفصل الأخير لعصر الإمبراطوريات التي لا تغيب عنها الشمس.. ولعله التحدي الأكبر أمام أوباما، وسيظل التساؤل الأهم عالقاً حول إمكانية نجاحه في تقليم أذرعة أمريكا العسكرية في العالم، وهل ستتركه قوى السلطة الأمريكية يفعلها.. ويعود بالجيوش الأمريكية لقواعدها داخل الولايات المتحدة، أم أن مصيره سيكون أسوداً إذا قرر الانقلاب على الفكر الإمبراطوري للرجل الأبيض.. وهذا شأن آخر وستكون فترة رئاسته اختباراً حقيقياً لمعاقل العنصرية في المجتمع الأمريكي.

خرج العرب كعادتهم بعد كل انتخاب رئاسي أمريكي يأملون أن يخلِّص الرئيس المنتخب واقعهم من أزمات الاحتلال الأمريكي والتهديد الإسرائيلي والاستبداد والجوع وغيرها من أزماتهم التي لا تتوقف عن الظهور.. وهي آمال واهية في عالم تحكمه الإرادة والعقلانية.. لا اجترار خطابات الاتكال على المخلص الغربي الذي ينتظرون قدومه من وراء المحيطات لكي يحل قضاياهم التاريخية، ويحقق لهم الاستقرار السياسي.. وعلى العرب أن يدركوا أن الحل لا يأتي إلا بالإيمان بالقدرة على التغيير..

كان اختيار باراك أوباما اختراقاً لعقدة التفوق والتميز العرقي، وانتصاراً للإنسانية وحق المساواة في ثقافة البشر، وربما يجد من يرى في نفسه تفوقاً وسمواً عرقياً صعوبة في التعامل مع سيد أسود للبيت الأبيض، وأعتقد أن ما يحدث في واشنطن سيرفع كثيراً من أسهم الثقافة الغربية، وسيدخلها إلى مرحلة جديدة قد تكون تأثيراتها أقوى بكثير من مؤثرات الاقتصاد والبنك الدولي والجيوش الأمريكية الغازية، وسيؤدي هذا الاختراق الإنساني لكافة الحواجز العنصرية إلى مزيد من الشعبية للإرث الثقافي الغربي، والذي نجح في قلب الطاولة ضد العنصرية في موقع الحدث وبعد مرور خمسين عاماً على آخر تطبيق لنظام الفصل العنصري بين البيض والسود في المدارس والحافلات وغيرها من المظاهر المدنية..

أدرك أن البعض لن يعجبه هذا الطرح، وسيرد أن الإسلام جاء بالحل الشامل للعنصرية، وأنه لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام جاهد قومه في نبذ العنصرية، وهذا شأن لا يختلف عليه اثنان، ولكن لا بد أن نتفق أن هذه المبادئ العظيمة لم يتم تفعيلها إلا لفترة قصيرة جداً، وبقيت بعد ذلك حبيسة الصدور والتكرار، لكنها عصية على التطبيق في مجتمعات قبلية لا تعترف بقانون التطور الاجتماعي، وتعتقد أنها خارج الواقع الإنساني، ولها خصوصيتها التاريخية..

لم يخل انتخاب باراك أوباما من سخرية العرب من واقعهم، وكان بالفعل مصدراً ثرياً لإثارة أسئلة من نوع خاص، وتحمل كماً هائلاً من السخرية، ومنها: ماذا لو هاجر حسين أوباما إلى بلد عربي؟ وماذا سيكون مصير ابنه باراك في البلاد العربية..؟! وما هي فرص نجاحه في تحقيق حلم حياته، ذلك الحلم الذي تحقق باختياره رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، وهو الذي وصل مهاجراً لأمريكا في عمر الطفولة..

اختلفت تفاصيل السيناريوهات من بلد عربي إلى آخر، لكنها اتفقت إجمالاً أن أباه لن يحصل على حق الإقامة الشرعية في كل البلاد العربية إلا تحت ظروف معينة، وقد ينتهي به الحال في السجن عند بعضهم، أو يُحتجز على الحدود حتى يجد بلاداً غربية تستقبله مهاجراً، وسيحتاج في دول الخليج إلى كفيل لكي يتمكن من الإقامة والعمل، وسيضطر إلى دفع جزء من دخله الشهري للكفيل، وإلا خرج بلا عودة، لكن لو ثبت أن باراك ابن حسين أوباما يجيد لعب كرة القدم وتسجيل الأهداف سيتغير حتماً سيناريو حياته، وسيحصل على الجنسية في زمن قياسي جداً، وسيكون نجماً وطنياً ومثالاً يُحتذى به في عالم الرياضة وميادينها الفسيحة.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6871 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد