Al Jazirah NewsPaper Thursday  13/11/2008 G Issue 13195
الخميس 15 ذو القعدة 1429   العدد  13195
مرحلة خطرة وحرجة
نادر بن سالم الكلباني

عندما كنت صغيراً ألعب مع أقراني في أزقة حارتنا (البرقية)، كنت أعود للبيت بعد رحلة لعب مضنية وممتعة وحافلة بكل شقاوة وبراءة تلك المرحلة، لأرى والدي رحمه الله يلصق مذياعاً صغيراً بإذنه خشية أن تفوته كلمة من نشرة أخبار إذاعة لندن التي كان لها آنذاك سمعتها ومكانتها في نفوس أهل ذلك الجيل..

بعد انتهاء نشرة الأخبار تعتريه حالة من الخوف والترقب ويردد رحمه الله أننا نمر بمرحلة خطيرة وحرجة مليئة بكل التحديات وتربصات الأعداء، كنت أستمع إليه وأسايره على الرغم من أني لم أكن أفهم ما كان يرمي إليه، بل لم أكن مهتماً أصلاً بما كان يقوله عن خطورة المرحلة، فالحارة التي كانت تضمنا تغنيني عن كل ما في العالم، ولم أسعَ لأرى ما هو أبعد من هذا الحيز.

مرت السنوات كعادتها بسرعة، وكبرت وكبر معي أقراني، وفي مراحل الدراسة الأولى كان معظم معلمينا من الأخوة الفلسطينيين أو الأردنيين قبل أن يتوافد علينا إخواننا المصريون، والحديث عن أننا نمر بمرحلة حرجة وخطيرة لم يتغير بل ازداد، فقد كبرت المخاطر وتنوعت وازداد عدد المتربصين بنا كما كنا نسمع من معلمينا ومن مدمني إذاعة لندن والإذاعات العربية التي يكاد المذيع أن يخرج من المذياع وهو يردد عبارات القومية والعروبة وغيرها من الشعارات، لكنني ولقصور في فهمي آنذاك -وحالياً- قادني فهمي إلى أن الخطر يأتي من الحارات الأخرى المجاورة لحارتنا، (فالقري)، و(منفوحة) و(جبره) و(غبيره) وشارع الغنم وغيرها، حارات كانت تعج بفتواتها ومشكلاتها التي تصدر بعضها لحارتنا عن طريق غزوات ومصادمات بين دشير حارتنا وتلك الحارات، وكنت أظن أن هذا هو الذي يقصده أبي وهو يردد أننا نمر بمرحلة خطيرة وحرجة، فالناس في الحارات الأخرى يزداد عنفوانهم خصوصاً عندما تفرض الظروف أن يسير المرء فيها منفرداً ليتلقى استفزاز وتحرش الواقفين في الطرقات والمنتظرين لأي إشارة لعرض قوتهم، وبصفة عامة كانت كل حارة من منظور صغارها ومراهقيها حريصة على أن تفرض سيطرتها وتخافها الحارات الأخرى.

اليوم وأنا في الخمسين تغير كل شيء من حولي، الناس والوجوه والظروف والمباني وماتت حارتنا القديمة (البرقية) ومعها شقيقاتها اللاتي كن يجاورنها، تغير كل شيء مما كان في ماضينا، وكبر العالم من حولي وصغر أيضاً، لكن الشيء الوحيد الذي بقي دون تغيير واتسعت أبعاده في نفوسنا، ما نسمعه من أننا نمر بمرحلة خطيرة وحرجة وأن الناس يتربصون بنا ويستهدفوننا، نتوارث هذا دون أن نتحرك ونفعل شيئاً يغيره وهذا ما سأورثه لأبنائي.. والله المستعان.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد