Al Jazirah NewsPaper Thursday  13/11/2008 G Issue 13195
الخميس 15 ذو القعدة 1429   العدد  13195
مسافات.. حين يكتبنا النص
خصائص الدرس النحوي في المدرسة البغدادية
أ. د. عبدالكريم حمد الأسعد

بنى الخليفة المنصور بغداد على نهر دجلة واتخذها عاصمة له في 145هـ، وأصبحت مبعثاً للمعرفة ومثابة للعلماء وقبلة للدارسين والمعلمين، ونشطت فيها ألوان الثقافة، وحين آنس علماء الكوفة تشجيعاً من الخلفاء العباسيين قصدوا ساحتهم، ولم يكن للبصريين في أول الأمر نصيب من الحظوة في بغداد، ولذلك كان الكوفيون فيها دعامة الحركة العلمية وقائدي زمامها، وقد ذاع مذهبهم ولقيت آراؤهم معاضدة وترجيحاً، وراحت الأصول التي بنوا عليها مذهبهم، ومن بينها شواهد يعوزها التحرّي وأشعار موضوعة وأبيات ليس لها نظائر تقوي الحجة فيها، على أنّ نحاة البصرة لم يحجموا عن الذهاب إلى بغداد فقد غشيها فريق منهم واتسع المجال رويداً رويداً لعرض آرائهم وذلك في منتصف القرن الثالث الهجري، ولهذا أتيح للبغداديين أن ينظروا في المذهبين البصري والكوفي معاً، وأن يوازنوا بين آراء الفريقين، فأنشأوا لهم من خلال هذا مذهباً كان أساسه المستحسن من المذهبين، وأضافوا إلى ذلك ما عَنَّ لهم من آراء خاصة، وكانوا في البداية أكثر ميلاً إلى موافقة الكوفيين لمكانة نحاة الكوفة عند الخلفاء العباسيين، ولكنهم اتبعوا في الوقت نفسه المذهب البصري في كثير من المسائل، ومن أمثلة آراء البغداديين التي تابعوا فيها الكوفيين.

- لا يجوز عند البصريين نداء ما فيه (أل) إلا في الشعر فقط للضرورة فلا يجوز نداء ما فيه (أل) في النثر أو في الشعر إذا كان عن الضرورة مندوحة، خلافاً للكوفيين والبغداديين في إجازتهم ذلك في الشعر والنثر.

ومن أمثلة آرائهم التي عوّلوا فيها على مذهب البصريين:

- ذهابهم كالبصريين إلى أن ناصب الفعل المضارع بعد لام التعليل هو أَنْ مضمرة جوازاً نحو (جئت لأكرمَك) وإلى جواز إظهار (أن) فيقال (جئتُ لأَنْ أكرمَك)، وأضاف ابن كيان النحوي البغدادي إلى هذا أنه يجوز أيضاً أن يكون الناصب بعد لام التعليل كي المصدرية المحذوفة جوازاً التي يجوز إظهارها فتقول (جئتُ لكي أكرمَك)، أما الكوفيون فقد ذهبوا إلى أنّ لام التعليل تنصب المضارع بنفسها بدون حاجة إلى تقدير (أَنْ) أو (كي).

ومن أمثلة آراء البغداديين الخاصة:

- العبرة في التذكير والتأنيث في العدد عند البصريين والكوفيين بحال المعدود المفرد لا المعدود الجمع فيقولون ثلاثة سجلاّت وأربعة اصطبلات، خلافاً للبغداديين فإنهم يعتمدون لفظ الجمع فيقولون ثلاث سجلاّت وأربع اصطبلات.

- القاعدة عند البصريين والكوفيين هي أن تبدل الهمزة الثانية الساكنة حرف مدّ من جنس حركة الهمزة الأولى فنقول في الفعل المضارع الخاص بالمتكلم الذي نصوغه من الإزار والأمانة (آتَّزِرُ وآتَّمِنُ) بدلاً من (أَأْتَّزِرُ وأَأْتَمنُ) والبغداديون يجيزون قلب الهمزة الثانية تاءً وإدغامها في تاء الافتعال فيقولون (أَتَّزِرُ وأَتَّمِنُ).

- اسم لا النافية للجنس إذا كان شبيهاً بالمضاف يكون عند البصريين والكوفيين والبغداديين معرباً منصوباً ومنوَّناً فيقولون (لا طالعاً جبلاً موجودٌ)، وأجاز البغداديون أيضاً الإعراب بالنصب مع عدم التنوين فقالوا (لا طالعَ جبلاً).

وقد ظلّ المذهب البغدادي ناشطاً فترة من الزّمن وظلّت بغداد مركزاً للثقافة العربية حتى مَسَّتها أحداث الزمن فتلمّس علماؤها لهم مواطن علمية مختلفة وانبثّوا في أنحاء العراق وفارس وخراسان وغيرها، وأوّل هذه الأحداث استفحال نفوذ الأتراك في عهد الخليفة العباسي المعتصم، ثم ما حدث من تغلّب بني بويه على بغداد سنة 334هـ، وقد سارت الحركة العلمية تبعاً لذلك وامتدّ نشاطها إلى الدول الجديدة التي نشأت في أطراف الدولة المركزية في بغداد، وأخذ حكام هذه الدول يضعون لنفوذهم أساساً من العلم وتنشيط العلماء مما أدّى إلى ظهور كثير من الأعلام.

ومن أهمّ نحاة المدرسة البغدادية وأشهرهم: أبو قُتَيْبَة الدِّينَورَي المتوفى ببغداد سنة 276هـ، وابن كَيْسان المتوفى ببغداد سنة 299هـ، وأبو موسى الملقب بالحامض المتوفى ببغداد سنة 305هـ، وأبو إسحاق الملقّب بالزّجّاج المتوفى ببغداد سنة 311هـ، وأبو الحسن عليّ بن سليمان الأخفش الأصغر أو الصغير المتوفى ببغداد سنة 315هـ، وابن السّرّاج المتوفى ببغداد سنة 316هـ، وابن شُقَير المتوفى ببغداد سنة 317هـ، وابن الخياط المتوفى بالبصرة سنة 320هـ، ونِفْطَويَه المتوفى ببغداد سنة 323هـ، وأبو القاسم الملقب بالزّجّّاجي (نسبة إلى أستاذة الزّجّاج) المتوفى في (طَيَرِيّة) بفلسطين سنة 337هـ، ومَبْرَمان المتوفى بدمشق سنة 345هـ، وابن دَرَستويه المتوفى ببغداد سنة 347هـ، وابن لَنْكَك (معاصر المتنبي)، والسِّيرافي المتوفى ببغداد سن 368هـ، وأبو علي الفارسي المتوفى ببغداد سنة 377هـ، والرّماني المتوفى ببغداد سنة 384هـ، وابن خالويه المتوفى بحلب سنة 390هـ، وابن جنّي المتوفى ببغداد سنة 392هـ، والرَّبَعي المتوفى ببغداد سنة 420هـ، والثمانيني الضّرير المتوفى ببغداد سنة 442هـ، وابن بَرْهَان المتوفى ببغداد سنة 450هـ، والخطيب التبريزي المتوفى ببغداد سنة 502هـ، و الزمخشري المتوفى في (زمخشر) في خُوارَزْم سنة 538هـ، وابن الشّجري المتوفى ببغداد سنة 542هـ، وابن الخشّاب المتوفى ببغداد سنة 567هـ،وأبو نزار الحسن بن صافي الملقب بملك النحاة المتوفى بدمشق سنة 568هـ، وابن الدّهّان المتوفى بالموصل سنة 569هـ، وأبو البركان كمال الدين الأنباري المتوفى بغداد سنة 577هـ، والمطرِّزي المتوفى بخُوَارَزم سنة 610هـ، والكِندي المتوفى بدمشق سنة 613هـ، وأبو البقاء العُكْبَري المتوفى ببغداد سنة 616هـ، وابن الخبّاز الضّرير المتوفى بالموصل سنة 637هـ، وابن إياز المتوفى ببغداد سنة 681هـ، والرّضي الأستراباذي المتوفى بالمدينة المنوّرة سنة 684هـ، والكافِيحَي المتوفى بالقاهرة سنة 879هـ، والجامي المتوفى بهراة سنة 898هـ.

* أستاذ سابق في الجامعة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد