Al Jazirah NewsPaper Thursday  13/11/2008 G Issue 13195
الخميس 15 ذو القعدة 1429   العدد  13195
الانتخابات الأمريكية على المحك
د. عبدالعزيز بن عبداللطيف آل الشيخ

يقال إن دبلوماسيا باكستانياً في أمريكا خاطب مازحا أحد المسؤولين عن الانتخابات الأمريكية: أنتم ترسلون مراقبين إلى بلدان العالم للتأكد من حسن سير الانتخابات، فلمَ لا يكون مثل هذا بالنسبة لانتخاباتكم؟ فهل معنى ذلك أن النموذج الانتخابي الأمريكي من النوع المثالي الذي يحتذى؟ لربما ذلك. انتخاب أمريكي من أصل إفريقي يمكن أن يجمع الناس أو يشتتهم، ولكن ما حصل بكل تأكيد يعتبر طرحا جديدا أو منظورا جديدا في الأفق السياسي والاجتماعي الأمريكي. ولم يقتصر التصويت له على غالبية البيض بل حصل على أصوات (2 من 3) من اللاتينوز، من ذوي الأصول المكسيكية والأسبانية ومن شاكلتهم. ولقد أسهمت الحملة الجمهورية (تكتيكيا) في صرف الكثير من الناخبين عنها والتصويت لمتزعم الحملة الديموقراطية. وفي عهد الرئيس جونسون تم تشريع الحقوق المدنية والانتخابية لغير البيض في عامي 1964م و1965م على التوالي، ولذلك الدور الأساس والممهد لوضع أوباما في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض. أما الاستياء من الجمهوريين بشكل عام فبسبب ما صنعته يد بوش ومعاونوه، طيلة ثمان سنوات، يضاف إلى ذلك سلبية حملة مكين الانتخابية. أما جونسن فكان له مقولة مشهورة، بعد توقيع قانون الحقوق المدنية، قال: لقد فقدنا الجنوب، جنوب ما يعرف ب(خط ديكسون). ذلك الجنوب الذي عارض حملة الشمال لتحرير الرقيق في عهد لينكلن، وتمخضت عن تلكم المعارضة حرب أهلية راح ضحيتها 10 في المائة من السكان.

ومرة أخرى جغرافيا، صوت من الولايات الجنوبية باستثناء ولايتي كارولينا الشمالية وفرجينينا، 1 فقط من 6 لأوباما. ارتكب الجمهوريون خطأ فادحا تمثل في عدم إدراك التغير على الساحة الجيوبولوتيكية الأمريكية خلال العشر سنوات الماضية. وعلى الرغم من أن حملة أوباما الانتخابية لم يكن لها طابع العرق، إلا أن حقيقة وضع الملونين في أمريكا لها أبعاد اقتصادية - اجتماعية، فهذه الفئة ممثلة بنسبة كبيرة ضمن العاطلين وبنسبة كبيرة ضمن من هم تحت خط الفقر، وبشكل عام فإن قضايا الأمريكيين الأفارقة تظل قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية.

كيف لعب موضوع العرق كموقف في الحملات الانتخابية في ولاية بنسلفانيا؟ ثم ما شأن اللغة المبطنة في حملة بيلن، المساعدة ترشيحا لمكين؟ ذلك التكتيك كان بهدف إيقاع أوباما في مصيدة، وفشلت المحاولات ولم يكن باستطاعة الحزب المضاد أن يهاجم شخصية المرشح الديموقراطي ولا قيمه ولا مثالياته، فجنحوا إلى وصفه باشتراكي وإرهابي مسلم، هنا اتضح التوجه (النصراني اليميني) في ولايات الجنوب، جنوب خط ديكسن. المجموعة التي أيدت بوش عام 2000، هي نفسها التي أسقطت مكين في ذلك العام ولقد اتهم حينذاك بأن له ابنا أسود غير شرعي. وغلطة مكين الرئيسية، في عام 2008م، تكمن في سباقه الانتخابي على أكتاف أعدائه السابقين. منذ أربعين سنة مضت خلف جونسن صراعات ولكنه ترك لشعبه قانوني الحقوق المدنية والحقوق الانتخابية، أما بوش ومساعده شيني فلم يخلفا شيئا إيجابيا يذكر لهما، ومكين لم يستطع أن يبتعد عن بوش ومساعده، بل كان مؤيدا لهما تسعين في المائة، حسب قوله.

يقول أحد الجمهوريين: ماذا حدث لحزبي، الذي أعرفه مؤيدا للحرية ومحترما للدستور؟ ويتابع الجمهوري بالقول إن حزبه يؤيد الحرب ويريد سلاما بقوة، لا نريد أن نذهب إلى الحرب ولكن تغير الفكر ضمن الحزب وأصبح خيار الحرب الخيار الأول وليس الأخير. وفي داخل مجلس الممثلين كان الهدف هزيمة الديموقراطيين بأي ثمن، وبذلك أصبح الجمهوريون يقدمون المصلحة الحزبية على المصلحة الوطنية. ويقول: كنا نقول إن الجمهوريين يمثلون حزب الآراء وحزب المفكرين، فما بالهم في هذه الحملة ينظرون إلى أوباما نظرة بروفوسورية، وأصبح (جو) السباك هو النموذج للحزب وهل هذا يعني أن من تخرج من هارفارد ليس أكثر ذكاء منه؟ فكيف بلغ العداء لمن يتخرج من جامعة مرموقة أو للمثقفين بشكل عام؟ وثمة مسألة أخرى (التصنت على المواطنين) بذريعة محاربة الإرهاب، ولطالما استخدم لتمرير إجراءات وقرارات عديدة.

وبالمقارنة لحملة الجمهوريين الانتخابية، حملة الديموقراطيين كانت نزيهة ونظيفة، وتكلم أوباما لا على أساس ولايات حمراء وزرقاء بل ولايات أمريكية، وصوت لصالحه جمهوريون تقليديون تقلدوا مناصب في إدارات جمهورية سابقة. إذن يمكن أن يقال عن فوز أوباما إنه بمثابة استراتيجية للتغيير تأخذها أمريكا على عاتقها. حملة أوباما الهادئة تقارن بحملة مكين الغاضبة وهناك من يقول إن الحزب الجمهوري برمته يمكن أن ينعت بصفة الغضب، التي لا يحتاجها البشر على هذا الكوكب الذي يتوجه نحو التسخين كما يدعي المدعون.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد