Al Jazirah NewsPaper Wednesday  19/11/2008 G Issue 13201
الاربعاء 21 ذو القعدة 1429   العدد  13201
قراءة سياسية لأزمة اقتصادية

أخذت الأزمة المالية العالمية طابعا سياسيا استراتيجيا وأيديولوجيا أكثر من كونها أزمة مالية فحسب، لأن الأزمة تتعلق ليس فقط بمشكلة تعتري اقتصاد أمريكا، وإنما تتعلق بأزمة نظام اقتصادي وأيديولوجي عالمي مهدد بالانهيار والمتمثل في الرأسمالية، فالأزمة وإن أطلقت شرارتها في أمريكا إلا أنها شملت اقتصاد أوروبا واليابان، وبشكل أقل اقتصاديات الدول الأخرى وهو مما يمكن اعتباره تسونامي اقتصادي كبير.

فعندما أعلن عدد من المصارف الأمريكية الكبرى إفلاسه بدءا بمصرف ليمان براذرز الذي ظل قائما لأكثر من 158 عاما الذي يعتبر انهياره أكبر انهيار يتعرض له بنك استثماري منذ عام 1990م تنبأ عدد من المراقبين (المتعجلين) بأن نهاية الإمبراطورية الأمريكية ستكون على يد الأزمة المالية الحالية. وهذه التنبؤات لم تخرج من فم أعداء أمريكا، وإلا لتم اعتباره تشفيا وأمنية، وإنما خرجت هذه التنبؤات من فم أمريكيين أقحاح ولذلك أقرت أمريكا بأن الأزمة أكبر من إمكاناتها ولابد من إشراك العالم كله في حلها وهو ما حصل في انعقاد قمة العشرين في واشنطن التي شاركت فيها المملكة ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.

وبكل تأكيد، هناك رؤية أخرى للأزمة وانعكاساتها، ترى من وجهة نظر متعاطفة أن الاقتصاد الأمريكي، والرأسمالية كنظام اقتصادي بشكل عام قادر على أن يصحح نفسه بنفسه، وأن يستوعب المشكلة بعدد من الحلول ليستعيد عافيته من جديد.

ولكن وبرؤية أكثر حيادية للمسألة فإن الواقع يثبت أمرا في غاية الأهمية، وهي أن الحلول التي طرحت لحل الأزمة، وخاصة في بريطانيا تكمن في تدخل الحكومة في الاقتصاد عبر شراء المصارف أو حصص كبيرة منها وضخ الأموال في الأسواق، وهي حلول (لا رأسمالية) لمشكلة رأسمالية !. وبالتالي جاء الحل من خارج هذا النظام وليس من داخله، وهو الأمر الذي يضع هذا النظام كله في دائرة الاختبار أو إعادة النظر، وإفساح المجال لأنظمة اقتصادية أخرى لكي تلعب دورا عالميا. وهو ما يؤكد خطأ نظريات سابقة أكدت أن انهيار الاتحاد السوفييتي والأيديولوجية الشيوعية يعني أن الرأسمالية هي نهاية التاريخ كما وصف ذلك المفكر الأمريكي من أصل آسيوي فرانسيس فوكوياما.

المحصلة أن أمريكا قد لا تنهار بسبب الأزمة المالية الحالية، وربما تعود أكثر قوة، أو ربما تنهار - لو قدر لها ذلك - لأسباب أخرى بعيدة عن الاقتصاد.. من منا يدري؟. ولكن الأهم في المسألة أن الرأسمالية ليست نهاية التاريخ !، وليست الرأسمالية أفضل الحلول، بل ربما كانت مصدرا للمشكلات كما توضح لنا الأزمة الحالية.












 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد