Al Jazirah NewsPaper Monday  24/11/2008 G Issue 13206
الأثنين 26 ذو القعدة 1429   العدد  13206
الجري وراء السراب ( 2 )
د.عبدالله الصالح العثيمين

لقد كان مجيء بوش الابن مع فريقه إلى سدة الحكم في أمريكا قبل ثماني سنوات نذير شؤم اتَّضح - فيما بعد - أنه لم يكن وبالاً على أمتنا، عربية وإسلامية، فحسب، بل على أمم متعددة وعلى الشعب الأمريكي نفسه أيضاً. ومن مظاهر ذلك الوبال على أمتنا بالذات ما ارتكبته إدارته، التي.....

..... شر أركانها - في نظري - نائبه تشيني، من هجوم همجي على أفغانستان، وارتكاب جرائم فظيعة خلال عملية الهجوم وبعدها، وهي جرائم من أبرزها قتل كثير من المعتقلين في ذلك البلد، ثم زج كثيرين في معتقلات سرية في بلدان غربية عديدة أو معتقلات علنية أسوؤها معتقل جوانتانامو، الذي شاهد العالم كله شيئاً من صور التعذيب والاذلال البشعة فيه.

ومن مظاهر ذلك الوبال على أمتنا أيضاً ارتكاب إدارة بوش - بقيادته المشؤومة - جريمة غزو العراق بحجة اتضح للعالم كله أنها لا أساس لها من الصحة، وما نتج عن تلك الجريمة العدوانية من احتلال لذلك القطر العربي الإسلامي واكبه ارتكاب جرائم لا تحصى بحق الشعب العراقي، تقتيلاً وتعذيباً وإذلالاً وهدماً للبنية الأساسية وتدميراً لكثير من تراثه أو نهباً له. وأفظع نتائج ذلك الاحتلال الاجرامي تأجيج نار الفتنة الطائفية والعرقية بين أبناء الشعب العراقي. ذلك أن ما نتج من تأجيج تلك النار من قتل على الهوية واغتصاب لأمكنة وممتلكات أمر إزالة آثاره الرهيبة معجزة من المعجزات.

والحديث عن وبال إدارة بوش الابن على امتنا، عربية وإسلامية، لم يقتصر على ما ارتكبته إدارته من جرائم فظيعة في أفغانستان والعراق. ذلك أن أهم قضية من قضايا أمتنا ببعديها العربي والإسلامي هي القضية الفلسطينية. ودعم الإدارة البوشية غير المحدود للكيان الصهيوني المحتل لفلسطين أمر لا يخفى على من تابع ويتابع مجريات الأحداث. ويكفي دليلاً على ذلك وصف رئيس تلك الإدارة لمجرم الحرب، رئيس وزراء ذلك الكيان الإرهابي شارون، بأنه رجل سلام، ووصف أي مقاومة فلسطينية أو عربية له بأنها ارهابية. وفي طليعة تلك المقاومة الموصوفة بوشياً بأنها ارهابية حركة حماس، التي انتخبتها للحكم أكثرية الشعب الفلسطيني وفق انتخابات حرة نزيهة كان من المشرفين عليها الرئيس الأمريكي السباق، جيمي كارتر. وفي الأعوام الثانية، التي مكثت فيها إدارته في حكم الولايات المتحدة الأمريكية متغطرسة متجبرة، ازدادت المستوطنات الصهيونية في الأراضي التي احتلت عام 1967م، أضعافاً مضاعفة، إنشاء أو توسعة، ومضى تهويد مدينة القدس الشريف بسرعة لم يسبق لها مثيل، وأقام الصهاينة جدار الفصل العنصري، الذي قطع أوصال الأراضي الفلسطينية بحيث يصعب على تفكير العقلاء بأن يروا ما بقي ممزقاً من تلك الأراضي يمكن أن تقام عليه دولة فلسطينية. أما ما تم - طوال تلك الفترة- من محادثات تتواصل أحياناً وتنقطع أخرى، ومن اجتماعات تعقد هنا أو هناك، فلا أدلة توجد على أنها ذات أثر ايجابي لمصلحة القضية الفلسطينية. بل إن سير الأمور يدل على أنها استغلت غطاء تحته حقق، ويحقق، الكيان الصهيوني الإجرامي - بدعم غير محدود من المتصهينين في أمريكا - ما كان يريده ويخطط له.

هناك من يهوى ترديد عبارة مجرم الحرب الصهويني، موشي ديان: (العرب لا يقرؤون). ومن المعلوم أن من الأهداف الذكية لتلك العبارة ادخال اليأس في نفوس العرب الذين تصل إليهم. والكلمة سلاح له دوره القوي. على أن في تلك العبارة ما فيها من الصحة. فأعداد من يمارسون القراءة من العرب قليلة، وبخاصة إذا قورنوا بشعوب الدول المتقدمة. لكن الأهم من ذلك هو أن القراءة المطلوبة هي قراءة التدبر والتأمل ليستفاد من دروس التاريخ.

والآن حكمت أكثرية الشعب الأمريكي بزوال حكم ممثل في الإدارة البوشية الرعناء، التي قادت ذلك الشعب إلى كوارث جمة، داخلية وخارجية. فبحجة محاربة الإرهاب، التي أرعبت به شعبها حُد من مدى الحرية لهذا الشعب، الذي طالما ردد أفراده افتخارهم بحصولهم عليها وممارستهم لها. أما الأثر السلبي مالياً، لسياسة تلك الإدارة البوشية فختم - وبئس الخاتمة - بما حل بأمريكا ومن ورائها العالم الذي جرته معها - في نهاية عهدها المشؤوم من انهيار اقتصادي ومالي. وبحجة محاربة الإرهاب - وأمريكا هي الدولة التي نشأت أساساً إرهابية، وظلت كما نشأت في التعامل مع الآخرين - ارتكبت الإدارة البوشية المتغطرسة جرائم من أفظع ما شهدته البشرية في أفغانستان والعراق.

واختارت الأكثرية من الشعب الأمريكي رئيساً لها من الحزب الديمقراطي. ومن الواضح أن هذه الأكثرية قد ضاقت ذرعاً بنكبات حلت بها على يد الإدارة البوشية، وتنفست الصعداء بنجاحها في زحزحة كابوسها، الذي جثم على صدور أفرادها، صغاراً وكباراً، ثماني سنوات، وأحلها دار البوار من المصائب والسمعة السيئة، كما ابتهجت بنجاحها في وصول من اختارته قائداً جديداً لها.

وأكاد أجزم أن الأكثرية من شعوب العالم يشاركون الأكثرية الأمريكية في تنفس الصعداء، أملاً في أن يكون لدى الإدارة الأمريكية الجديدة ما يخفف من غلواء تلك الغطرسة وذلك الاستكبار أو يزليهما.

ووصول أوباما - وهو الإفريقي الأصل والسحنة - إلى سدة حكم أمريكا حدث عظيم الأهمية والدلالة في تاريخها بالذات. ذلك أنه قبل خمسين عاماً فقط - وهي فترة قصيرة في تاريخ الشعوب - كان الرجل الأسود في بعض ولاياتها يعامل معاملة الكلاب، بل ربما احترمت أكثر منه، وكان عليه أن يقف ويظل واقفاً في الحافلة إذا ركب فيها رجل أبيض. وكان.. وكان.. وكان. وها هو اليوم يحتل من الدول أعلى مكان. والرجل الذي وصل إلى تلك السدة - واسمه الأول - كما سمعت من أحد الإخوة السودانيين - براق بالقاف، ولا علاقة لهذا الاسم باسم باراك، الذي هو اسم لمجرم الحرب وزير الدفاع الصهيوني في الوقت الحاضر - وصل إلى ما وصل إليه بعصاميته وأهليته القيادية، يمكن من السذاجة استبعاد شعور الملل والاشمئزاز الذي تراكم في نفوس أفراد الشعب الأمريكي، وبخاصة غير المتصهينين من السياسة البوشية على جميع المستويات. وأكاد أجزم بأن المستفيد الأكبر من هذه السياسة هم الصهاينة المحتلون لفلسطين المرتكبون أبشع الجرائم بحق الفلسطينيين، والمبتهجون ابتهاجاً عظيماً بما حل في العراق بالذات من دمار متنوع الوجوه، اضافة - بطبيعة الحال - إلى تلك الشخصيات التي يدرك الجميع أن بقاءها الصوري في الحكم مرهون ببقاء احتلال أمريكا للبلدان التي يحكمونها.

وماذا عن شعور العرب المغلوب على أمرهم - وفي مقدمتهم الفلسطينيون - تجاه ما حدث في أمريكا؟.

يرى المتابعون لمجريات الأمور أن العرب - مع الأسف الشديد - يراهنون دائماً على الانتخابات الأمريكية، ظانين ومؤملين أن ينتج عنها حكم ينظر إلى قضاياهم، وبخاصة قضية فلسطين، نظرة عادلة. لكنهم لو تدبروا ما حدث طوال عقود متوالية لرأوا أن ذلك الظن وهذا الأمل في غير محلها فالادارات الأمريكية المتعاقبة لا تحل واحدة محل أخرى إلا وهي تماثلها - على العموم - سوءاً أو هي أسوأ منها.

وجدير بأن يقال لمن أملوا في أن مجيء أوباما إلى الحكم سيساعد في انصافهم وحل قضاياهم لاسيما قضية فلسطين، حلاً عادلاً ذلك المثل الشعبي القائل: (لا تقول بر لما توكي الغرارة) غير المتفائلين - مثلي - يرون أن بوادر العهد الجديد اختيار صهيوني ذهب إلى كيان الصهاينة في يوم من الأيام مستعداً لقتال العرب المغتصبة بلادهم.. اختياره لمنصب إدارة موظفي البيت الأبيض، وهو أعلى منصب إداري فيه. الظن والأمل اللذان هما الصواب بعينه أن يأتيا يوم تكون هناك ثقة بين شعوب أمتنا وقادتها من ناحية وبين أولئك القادة أنفسهم من ناحية أخرى، عند ذاك يكون الاعتماد على الله ثم على النفوس الواثقة بنصره ولن يخلف الله وعده لمن نصروه.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5896 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد