Al Jazirah NewsPaper Monday  24/11/2008 G Issue 13206
الأثنين 26 ذو القعدة 1429   العدد  13206
استغلال المعلومة!
فضل بن سعد البوعينين

كتب الأديب أنيس منصور مقالة جميلة في جريدة (الشرق الأوسط) عنونها ب(كائن جميل تحت جناحيه رسالة)، جاء فيها: (وفي حروب نابليون فوجئ العالم بأن المليونير روتشيلد يستخدم الحمام في معرفة أسعار البورصة وقد كسب ملايين عندما عرف أن هزيمة نابليون وشيكة؛ فأرسل الحمام ورفع الأسعار وخفضها وكسب الكثير جداً).

يبدو أن المسيطرين على تداولات البورصات حول العالم يتصفون بالخصائص نفسها منذ عهد نابليون حتى يومنا هذا، مع اختلاف في وسائل الاختراق والتحكم. يعتمد كثير من كبار المضاربين على المعلومات الخاصة التي لا تتوفر لغيرهم في تحقيقهم المكاسب الضخمة، أو لحمايتهم من خسائر متوقعة؛ فالأسواق المالية شديدة الحساسية تجاه الأخبار المؤثرة، الاقتصادية، المالية، والأمنية على وجه الخصوص. ومن يمتلك المعلومة يمكن له أن يضمن الربح ويبتعد عن الخسارة. ومثل هذه المعلومات قد لا تتوفر إلا للقلة التي تستغلها من أجل تحقيق أهدافها الخاصة على الرغم من مخالفتها الأنظمة والقوانين.

استغلال المعلومات المؤثرة وتوجيه السوق بقصد الربح أو تجنب الخسارة هما ديدن بعض كبار المضاربين أو من يطلق عليهم مجازاً اسم (صناع السوق). هم أقرب إلى دمار السوق من صناعتها؛ فصانع السوق الحقيقي هو من يحافظ على توازنها واستقرارها، ويضبط حركتها، وفق الأنظمة والقوانين.

لم تكن السوق السعودية عرضة للانهيارات الحادة وتبخر مدخرات المواطنين لولا تدخل البعض ممن يمكن أن نطلق عليهم اسم (الصناع الجدد)؛ لرفع السوق إلى مستويات 21 ألف نقطة تحت أنظار الجهات الرقابية، ومن ثم تركها لمواجهة مصيرها المحتوم بعد أن أثروا، ونجحوا في سحب أموالهم بكل يسر وسهولة، كما فعل المليونير روتشيلد في عهد نابليون.

بعض المستثمرين ممن يمتلكون المعلومة تفوقوا على غالبية الصناع، ونجحوا في القفز من سفينة السوق قبيل غرقها الأخير إبّان الأزمة العالمية. كان المراقبون مندهشين من إقدام بعض ملاك المحافظ الضخمة على تسييل أسهم العوائد عند مستويات متدنية، كانوا - المراقبون - يعتقدون أنها قاع السوق!! بعد انفجار الأزمة المالية الأمريكية، وانهيار الأسواق المالية، بما فيها السوق السعودية، أدرك المراقبون، بعض كبار المضاربين، والمتداولون أنهم الخاسرون في حرب المعلومات، والخطط الوقائية!!.

كثير من التداولات المشبوهة تمت وفق معلومات محددة، لم يتسنَّ لعامة المتداولين معرفتها إلا بعد أن انعكست بآثارها على السوق. تُرى لو كان لدينا جهة رقابية تهتم بتدقيق الصفقات التي تتم قبيل المتغيرات الحادة، وتقوم بمحاسبة منفذيها فهل يمتلك هؤلاء الجرأة لمخالفة النظام والأضرار بالمتداولين اعتماداً على معلوماتهم الخاصة؟

من يمتلك المعلومة يضمن الربح وينأى بنفسه عن الخسارة؛ لذا كانت الشفافية أحد أهم متطلبات الأسواق المالية المحققة للعدالة الشاملة، وعلى ذلك شدد الشارع الحنيف، وأي تعاملات تتم وفق المعلومات الخاصة المؤثرة لا تخلو من شبهة الحرام، ولا تخرج من مخالفة النظام الذي أقره ولي الأمر.. من استخفى من النظام، وأمن العقوبة، فلن يفلت من عدالة الله، في الدنيا والآخرة.



f.albuainain@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد