Al Jazirah NewsPaper Monday  24/11/2008 G Issue 13206
الأثنين 26 ذو القعدة 1429   العدد  13206
أيّها الصغير.. لا تتكلم أمام الكبار
هلا السليمان

كم طلب إلينا ونحن أغصان غضة ألا نتحدث أمام الكبار، وكم قيل لنا إن ذلك عيب كبير وإن الطفل المؤدب هو من يبقى ساكتاً هادئاً.. وكنا مؤدبين بزعمهم، فإذا حدثنا أحدهم تلعثمنا وإذا سئلنا خجلنا...

قارئي الكريم.. ألديك أطفال؟.. إذاً فأرخ إلى سمعك من فضلك..

ففي زماننا هذا زمن (الحوار) الذي عليه نحث وله نريد أن يكون ركيزة مجتمعية أساسية فإنني لازلت أردد حديثي عن القناعة التي أؤمن بها وهي أن أي قيمة نريد لها الإزدهار والتجذر في حياتنا فلابد أن نغرسها في الطفل أولاً، وحين ننجح في ذلك فسيكون لهذه القيمة شأنها الرفيع الذي نريد.

والتأديب الحقيقي هو أن نعلم الطفل كيف يتحدث موحين إليه بالثقة في نفسه وقدراته بالاستماع الشغوف والتوجيه اللطيف، فكم أنتجت حوارات الكبار مع الصغار من صداقاتٍ وكم بنت من جسور ودٍ ومحبة لتوصيل القيم بيسرٍ وسهولة.

إن الحوار الناجح مع الطفل هو (أمن وقائي له).. فأنت حين تحاور طفلك فإنك تعلمه أن يلجأ إليك وليس إلى (الغرباء) لبث همومه.. والله وحده يعلم ما عاقبة تدخل الغرباء في حياة أنبائنا.

الحوار الإيجابي المليء بالثقة وحسن الاستماع والتوجيه اللطيف الذي يسري في ثناياه بهدوء مع عدم الإستعجال في ثورةٍ ومحاكمةٍ فوريةٍ لتوحي للصغير بالمساندة العميقة وتؤكد له قناعة أكيدة.. أننا معك مهما كانت الظروف ومهما كانت همومك صغيرة أو كبيرة فلا تتردد في اللجوء إلينا.

وحين يأتي الغريب مهدداً ولدي وولدك: سأخبر والديك إن لم تفعل ما أريد.. فسيرد أولادنا -إن كانوا يشعرون بالأمان- أن ليس هناك ما أخاف من إخفائه عن والدي، ومثل هذه العبارة لهي حصن حصين وثمرة لحوارات فعالة، ولنقف عند هذا الموقف البسيط القادم الذي يعكس رسالة سلبية بسيطة لكن عمقها كبير.. فهذا الوالد قد حذر طفله الصغير مراراً وانتحب مشجوجاً متألماً فما كان من الأب إلا أن توجه نحوه وصفعه حرقةً عليه ثم حاول إسكاته بعد ذلك، ترى أي رسالةٍ أوصلها هذا الوالد هنا إلى ولده؟ وهل هذا وقت العتاب والعقاب لمن عوقب بالسقوط منذ برهة؟ إنه يعلمه أنه حين يخالفه ويقع في ورطة ما.. فإنه سيبدأ بعقابه أولاً وقبل كل شيء.. وطبعاً مثل هذا الولد لن يلجأ إلى والده لحل مشكلاته.. وبينما يحافظ الأهل على الحوار مع الطفل فإنهم يقدمون له خبرات الحياة بعفوية وسلاسة مما يجنبه الوقوع في المشاكل الناتجة عن قلة الخبرة، كما أن في ذلك احتراماً وتقديراً بحسن الاستماع وحسن تبادل الحديث والانفعال معه والسعادة بما يقول والثناء عليه لحسن حديثه.. وتوسعة دائرة ما يمكن الحديث عنه.. وكل ذلك سيكون حصاده نجاحاً في حواراته المستقبلية مما يمهد لنجاحه اجتماعياً وعملياً.

إن عماد الحوار هو حسن الاستماع وهو ما يبدأ به الطفل جنيناً في بطن أمه فهو يسمع كلامها وتلاوتها وترانيمها ثم حين يكون وليداً فسيفهم الكثير من تعابير من حوله ولغة وجوههم.. واسمحوا لي أن أحذر من التأخير في بدء الحوار مع الطفل فالبدء به صعب كلما تأخرنا في ذلك.

ولن يستغرق حوارك مع أطفالك أوقاتك الطويلة فعشر دقائق أو ربع ساعة يومية (على الأقل) من الحوار المتبادل لهي وقت كافٍ للحصول فوائد هذه العادة الحميدة، وهذا وقت قصير مقارنة بما تقضيه الأمهات من وقت في أحاديث الهاتف والزيارات والمجاملات.

إن استغلال توصيلة الصباح واختراق صمتها ببعض الأحاديث أو التعليقات على برنامج تلفازي أثناء مشاهدته والحديث عن أبرز ما يحمله من أفكار ليعزز الصواب ويبين الخطأ.. وكذلك عند رؤية موقف يحدث و -لو مع الآخرين- والتعليق على ذلك بأسلوب محبب ليعلم الطفل الكثير.

ولا باس أن تعطي الطفل بعض الأهمية وتسرد له أحداث يومك وما مر معك من مواقف مضحكة أو محرجة مع ملاحظة عدم تحميله ما لا يطيق من هموم وأفكار ومعلومات.

وربما انتقدك طفلك وأخبرك بأخطائك وهفواتك فماذا سيكون ردك؟.. من العيب أن تقول ذلك عن بابا.

إنها لمصيبة إن كان ذلك جوابك فتعليم الاحترام لا يكون بهذه الطريقة.. بل إن الحكمة تقتضي تقبل انتقاداته ومناقشته بلطف لأنك حين تفتح صدرك لانتقاداته بصدر رحب فسيبادلك هذه الثقة ويتقبل توجيهاتك بجدية وحماس وسيكون واضحاً دوماً مع الآخرين.

وقد ينفعل الطفل أحياناً مع الحوار متمرداً رافضاً لفكرة ما.. ولن نلجأ هنا إلى منع هذه الانفعالات بل إن امتصاصها وإظهار التعاطف الشديد مع ما يشعر به وإنك تريد أن تقترح عليه تفسيرات وحلول.. حتى تطيب نفسه وتهدأ.

وفي مكان بعيد كم يخطئ من يجلس الطفل في زاوية ما.. ويبدأ خطبه الرنانة المصقعة التي لا تنتهي إلا وقد تنفس المسكين الصعداء وخرج منها كما دخل لم يفهم شيئاً وقد يكون البعض محققاً يسأل الصغير بتوتر وحزم عن كل صغيرة وكبيرة، ثم ينصب نفسه قاضياً يحاكمه فوراً كلما رصد خطاً حتى يبتعد الولد عن أي أحاديث مع والديه وربما كان استعراض الخبرات والإنجازات على الطفل أسطوانة مشروخة يعيدها الوالدان كلما أرادا أن يجلسا مع أطفالهما، والعجيب أن هؤلاء يحدثون عن مدى حرصهم على الحوار في البيت، وأنا أقول لهم.. اللهم أصلحنا وأصلح أولادنا واهدنا إلى مخافتك فيهم وفي تربيتهم حتى يكونوا كما تحب وترضى.



halasuliman@gmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد