Al Jazirah NewsPaper Monday  24/11/2008 G Issue 13206
الأثنين 26 ذو القعدة 1429   العدد  13206
إلى رمز الأسرة وعائلها مع التحية
فريدة العنزي

قد يكون ما حدث لي غير ذي أهمية عند البعض، أو أن يكون ذا قيمة عند البعض الآخر، فما حدث لي يستحق أن يُكتب ويُحكى، حيث أظهرت بعض من تلك الأحداث روعة ما أحسست وشعرت به نحو خالقي والكون والبشرية.

شاء القدر أن يربطني بعلاقة زوجية برجل يكبرني بسنوات، إلاّ أنّ هذا الرجل كان يحمل من المزايا رغم عصيبته الشديدة ما جعلني لا أرى أو أشعر بالفارق العمري، لقد كان متعلماً بتأهيل جامعي، ويملك حصيلة معلوماتية في جامعة الحياة .. شخصاً يخفي داخله صفة الطيبة ويتصف بالكرم، وهبه الله حسن المنظر بوسامة تأثر بها في شبابه ولا يزال يحتفظ بشيء منها رغم ما أحدثته له عوامل الزمن وتجاعيد السنين. كان تحت كنفه العديد من الأبناء والبنات، فكان الكبار منهم نعم الأبناء البارين به وبوالدتهم ويملكون من الخلقة والأخلاق الكثير فكانوا بحق نعم الإخوة لي شخصياً.

المواقف معه كثيرة، منها المفرح الجميل ومنها المحزن المؤلم، أقسى المواقف التي عانيتها في حياتي في رمضان المبارك 1429هـ، وبعد قضاء إجازة عائلية خارج الوطن، لكن حملت رحلة العودة الكثير من المتاعب المرضية التي واجهها زوجي وحرمته متعة الرحلة في الذهاب والعودة وما قضينا بينهما من أيام. في رحلة العودة وعبر الطريق البري الطويل اشتد تعب ومرض زوجي خاصة أنه يعاني مرض القلب، فزادته تلك الرحلة للأسف الكثير من المعاناة، بهذه بالرحلة كان هو عائلنا والمسؤول عنا، وعلى الرغم من حرارة الجو وإحساسه بالعطش، إلا أنه أبى الإفطار، واضطرته ظروف السفر البري، الترجل والذهاب للمكاتب الحدودية لإنهاء إجراءات السفر، كنت أراه متعباً وبدا عليه الوهن وإحساسه بالارتعاش، ومشيه غير متزن ويكاد يوشك الوقوع على الأرض، كانت لحظات لا تنسى، شعرت أنني سأفقده من هول ما رأيت فيه، وأحسست بألم المشاعر، وبأنّ الموت قريب منه، فلم أملك غير دموعي وتضرعي إلى الله والدعاء له بأن يحفظه ويطيل بعمره وصحته وأن يبقيه لأم أبنائه الفاضلة ولي وكذلك لأطفاله الصغار.

عند وصولنا الوطن، اتجهنا به فوراً إلى طوارئ المستشفى، وكان أبناؤه بالانتظار، حالته يرثى لها، فلم يكن ليستوعب ما يحدث حوله أو أين هو، كنت أتابع أخباره الصحية عبر أبنائه، فجزاهم الله عني وعن والدهم خير الجزاء، وكانوا نعم المعينين لي في تلك المحنة، وكانوا يطمئنوني عن حالته رغم خطورتها، ظل في طوارئ المستشفى عدة أيام أجريت له الفحوص والأشعات والتحاليل والكثير الكثير، إلى أن تم تحويله مؤقتاً لغرف المستشفى تمهيداً لنقله فيما بعد لمركز العناية المركزة، والتي كان بحاجة ماسة لها نظير حالته الحرجة التي كان يمر بها. وتم تحويله لإحدى غرف المستشفى، فلم تكن سوى دقائق معدودة، وتحديداً بعد حديث باسم بينه وبين بعض أبنائه الذين رافقوه تلك الليلة، لكن حدث ما لم يطرأ ببال أحد!! فجأة أصيب بجلطة قلبية كادت تودي بحياته لولا رحمة الله ورأفته ثم بتقدم الطب، فاجتمع المسعفون في ثوان والتفوا حوله، وتعاملوا أمام هذه الحالة بكل احتراف ومهنية، احتاجوا لتنشيط نبضات قلبه بصدمات كهربائية، وبتغذيته عبر الوريد وبالكثير من المواد الطبية المساعدة، وبفضل الله عاد إليه نبضه. لم يشأ الباري عز وجل أن يأخذ أمانته، فقد أعاد إليه روحه لحكمة يراها ويعلمها سبحانه، فقد تكون رحمة بي وبأطفاله الذين لم يكتفوا من حنانه وحبه وعطائه لهم. كان ذلك كله فضلاً من الخالق عز وجل، وهنا تذكّرت قوله تعالى في كتابه الكريم بسورة النمل {هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي}.

لم يشأ أبناؤه التحدث لي عن حالته، لأنهم يعرفون حبي وتعلقي به، فأبت قلوبهم الرحيمة إخباري بخطورة وضعه، لكن؟ كان قدري عندما رأيته ممداً لا يملك الحول ولا القوة، وكانت الأجهزة تحيطه يميناً وشمالاً والتي كانت تعينه بعد الله، على مواصلة الحياة حيث التفت حوله وبيديه الأنابيب واللّيات الطبية لمساعدته الحصول على الإنعاش والدم والفحوص والتغذية.

لقد اهتزت الأرض أسفل قدمي وأنا أرى ذلك الرجل القوي المهاب شديد العناد عصبي الطباع، فاقداً الوعي دونما حراك .. لا قوة ولا إرادة، لم أستطع استشعار الموقف إلا وبالأرض تتثاقلني حتى أغمي عليّ، لم أشعر بعدها إلا بعد إسعافي، وعلمت لاحقاً بأنّ من ساعد في إسعافي هو الابن الأكبر لزوجي، شعرت بمقدار خوفه عليّ، وإن دل فإنما يدل على طيبة قلبه فهنيئاً (أبا فراس) ما تملكه من رحمة ومحبة، كيف وأنت صاحب ابتسامة حنونة تعلو وجهك على الدوام. مرّت الليالي وزوجي لا زال في حال خطيرة، وبسبب خوفي، كنت أكرر زياراتي له يومياً، وفي كل مرة كان يزداد حبي وتعلقي به خاصة عندما بدأت حالته أكثر استقراراً.

عندما بدأ بالإفاقة من غيبوبته وتحسّنت حالته، بدأ التحدث التدريجي والأكل والشرب، ووضح لنا جميعاً ابتداءً بوالدة الأبناء حرمه الفاضلة (أم سعود) وشقيقته وأبنائه كباراً وصغاراً وانتهاءً بي، بأنه في أحسن صحة وحال.

صباح العيد كان موعداً غير معتاد لزوجي مقارنة بسنين مضت، فبدلاً من استقبال زائريه في منزله كان قدره على الموعد أن يستقبلهم هذه المرة داخل المستشفى ومن على سرير المرض.

سبحان خالق البشر والبشرية، قد أراد جل وعلا، توجيه قدره إلى زوجي، فشاركناه هذه المحنة، وزاد حبنا للرحمن الرحيم وإيماناً بالقضاء والقدر، فزاد حب واقتراب أفراد هذه الأسرة الكريمة من بعضها، هنيئاً لك يا (عبد العزيز) اجتيازك هذا الاختبار ولا شك أنه زادك إيماناً واحتساباً وجميعنا بانتظار عودتك إلى منزلك وأبنائك يا (أبا سعود).

إن كان هناك من شكر وتقدير، فيوجَّه إلى الإخوة والمحبين وإلى من زار وسأل وعانى وتبرع بدمه، وكذلك لمن دعا لزوجي بالشفاء، وشكر خاص لكافة الطواقم الطبية أياً كان عملهم وتخصصاتهم، ابتداءً بالعاملين في طوارئ المستشفى وإلى من باشروا إسعافه وإنقاذه بعد مشيئة الله ممن تواجدوا تلك اللحظات في الجناح (23)، وإلى اختصاصي مركز العناية القلبية، وأخيراً لإدارة مستشفى الملك خالد الجامعي طبياً وإدارياً، ولا ننسى بالشكر والتقدير الدكتور الفاضل (أبا أحمد) استشاري جراحة طب الأطفال على ما لقيناه منه، فكان نعم الأخ المعين.

- أم باسم



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد