Al Jazirah NewsPaper Tuesday  25/11/2008 G Issue 13207
الثلاثاء 27 ذو القعدة 1429   العدد  13207

دفق قلم
قتل بلا قصاص
عبد الرحمن صالح العشماوي

 

القتل.. هذه الكلمة القاسية المؤلمة التي تثير في نفس سامعها كثيراً من الصور المعتمة، وتستدعي إلى ذهنه كثيراً من الآيات والأحاديث والحكم، والمواعظ التي تحذّر من القتل، وتنفّر منه، وتدعو الناس إلى الابتعاد عن هذه الجريمة النكراء {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}و(القاتل والمقتول في النار)..

حولي الصّحف والمجلات والمذياع لكنها عناء وبيل

جُل أخبارها عن القتل حتى خِلتُ أني على الفراش قتيل

هذه هي كلمة (القتل) بكل إيحاءاتها القاتمة التي تشمئز منها النفوس، وتتحاشى أن تنطق بها الألسن، ولا تحب أن تسمعها الآذان، حتى في ميدان الجهاد، وما أدراك ما ميدان الجهاد، فهو ذروة سنام الإسلام، ومع ذلك تظل لكلمة القتل صورتها القاتمة المكروهة وذلك واضح بنص القرآن الكريم {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ}، نعم، لأن القتل يحمل معنى الفناء والموت، وانفصال الروح عن الجسد.

أقول: على الرغم من هذه الهالة السوداء المعتمة التي تحيط بكلمة (القتل) إلا أنها تتكرر عشرات المرات على ألسنة كثير من الناس دون تردد في نطقها، وكأنها لا تحمل ذلك الإيحاء المعتم للموت والفناء.

لعل السبب في هذا هو أن القتل الذي يرتكبه بعض الناس يومياً لا يأخذ صورة القتل الحسية المعروفة التي تهدر فيها الحياة وتزهق بها الأنفس وتسيل فيها الدماء، ولكنه يتم بطريقة غير منظورة، فليس فيها سيوف ولا رشاشات ولا مدافع ولا صواريخ ولا سواها من الأسلحة المادية الفتّاكة التي تستخدم أمام أعيننا كل يوم في فلسطين والعراق وأفغانستان، من هنا - حسب تقديري - هان هذا النوع من القتل على الناس، ولا سيما أنه لا يقام فيه حدّ بالقصاص، ولا تطلب فيه ديةٌ أو تعويض.

إنه قتل (الوقت) ذلك القتل الشنيع الذي يتخذ من إضاعة الوقت فيما لا يفيد سلاحاً فتّاكاً يمزّق به الإنسان أيامه ولياليه، وساعاته ودقائقه وثوانيه بلا رحمة ولا هوادة.

وما دامت الدماء لا تسيل فهو قتل مقبول في عرْف الغافلين.

الوقت.. وما أدراك ما الوقت، حياة الإنسان وعمره الذي كتب له في هذه الحياة الفانية، وسيسأل عن كل ثانية قضاها، كيف قضاها، وفيم قضاها، كثيراً ما نسمع الناس يتحدثون عن طول الوقت، والملل منه، والرغبة في التخلص من هذا الطول الممل، ولو كان ذلك بإضاعته وقتله دون هوادة أو رحمة.

هل الوقت - وهو عمر الإنسان - هيّن إلى درجة إضاعته وقتله، والتخلص منه، وهل الوقت بضاعة مُزْجاة رخيصة لا تستحق العناية، ولا تحظى بالاهتمام.

الوقت هو الحياة، وهو العمر، فهل تهون على الإنسان العاقل حياته وعمره، وهل يليق بالمجتمع المسلم أن يفرِّط في هذه الثروة العظيمة التي لا تعوّض.

إشارة:

دقات قلب المرء قائلة له

إن الحياة دقائق وثواني

www.awfaz.com

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5886 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد