Al Jazirah NewsPaper Tuesday  25/11/2008 G Issue 13207
الثلاثاء 27 ذو القعدة 1429   العدد  13207
شيء من
الشخصنة ومحاكمة النوايا
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

أن تنقد أنماطاً فكرية معينة، يعني أنك (تحاول) أن تسلط الأضواء على ما تراه جانباً (سلبياً) يستحق أن يدور حوله النقاش، ولا يعني -بالضرورة- أن ما تقوله هو الصواب بعينه، إنما هي مجرد وجهة نظر تريد من الآخر أن يناقشها بعقلانية وموضوعية ليس أكثر. أعرف تماماً أن من يمارس النقد ستثور حول آرائه وأطروحاته الكثير من الزوبعات، والسبب أن ثقافة النقد والرأي الآخر، الذي هو -في الغالب- خلاف الرأي السائد، سيحرك المياه الراكدة، وسيستقطب لصاحب الرأي الآخر الكثير من المناوئين لأفكاره وأطروحاته، غير أن من نذر نفسه للكتابة النقدية يجب أن يتحمّل وخزات الدبابير مهما كانت مؤلمة.

ولو عدنا إلى تاريخنا، وجدنا فيه الكثير من الشواهد التي تدل على أن كل من طرح رأياً على خلاف ما هو سائد سيواجه في البداية الكثير من المناوئين، والمسفهين بآرائه، حتى يتعود الناس على ما يطرح، ويتفهمون ما يقول، وكما علمنا التاريخ مراراً وتكراراً أن الرأي المتسق مع (العقل)، ومع ظروف الزمان والمكان، هو الذي يكون له الغلبة في النهاية، وأن العواطف الجياشة مثل زبد السيل، لا تلبث إلا وتنتهي وتتلاشى: { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ}.

ومن خلال ممارستي للكتابة الدورية في الصحافة بشكل منتظم منذ ما يقرب من الثماني سنين، وجدت أن الفكر التقليدي في بلادنا، والذي يحرص على إبقاء الرأي السائد على ما هو عليه، يتخذ في دفاعه عن (التقليدية) الموروثة موقفين: الأول: الخلط بين الخاص والعام، و(شخصنة) الخلاف، والقفز على ما يقوله المخالف، إلى الحكم على الفكرة من خلال (شخص) قائلها، ومن يكون. وهذا دليل على أنه (عجز) عن رد الفكرة، فلجأ إلى شخصنة الخلاف.

أما الموقف الثاني وهو الأهم، والأكثر انتشاراً إلى درجة الوباء، فهو الحكم على (النوايا)، فغالباً ما أسمع في نقاش ما أطرح: أنت تقصد، أنت تهدف، أنت تريد أن تقول، وهلم جرا. وهذا دليل عجز وإفلاس ولا علاقة له بآداب المناظرة، فضلاً عن أنه لا يمت بصلة للمنهج الإسلامي الصحيح في التعامل مع المخالف.

يقول تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث). والظن المقصود به هنا هو - بلغة اليوم- الحكم على النوايا. جاء في (نجعة الرائد) ما نصه: (وتقول: فلان يقول في الأمور بالظن، ويقول بالحدس، ويقذف بالغيب، ويرجم بالظنون، وقال ذلك رجماً بالظن، وإنما هو يتخرص، ويتكهن، وقد تظنى فلان في الأمر، وأخذ فيه بالظن، وضرب في أودية الحدس، وأخذ في شعاب الرجم). وكل هذه الصفات تنهك الرأي وتضعفه.

كل ما أريده أن تنزعوا الشخصنة، والحكم على النوايا، من خطاب الرأي الرافض للنقد، لتكتشفوا أن هذا الخطاب (المتشنج) فارغ تماماً.

إلى اللقاء،،،



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد