Al Jazirah NewsPaper Tuesday  25/11/2008 G Issue 13207
الثلاثاء 27 ذو القعدة 1429   العدد  13207
قالوا في السعادة...!!
مندل عبدالله القباع

ما هي تجليات السعادة بدءاً من المعنى الكاشف لماهيتها...؟

ويرتبط المعنى بالمجرد الاصطلاحي أو برصد الحالة في العمق التحليلي..!!

وتتضح دلالة المعنى اصطلاحاً كان أو تحليلاً عن طرق التفكير المفضي إلى التعبير عن تلك الحالة التي يستشعرها الإنسان وتحدد في ضوئها علاقته بذاته وعلاقته بالآخرين في محيطه الخاص (البيئة)، ومحيطه العام (المجتمع).

هذه العلاقة هي التي تقود إلى حصافة الكيان الإنساني وتحول بينه وبين أن يهدر حيث يحكم هذه العلاقة قانون (السمو بالغرائز) لضبط السلوك الإنساني والاعتلاء به، كما هي في الرؤية التحليلية النفسية.

والسعادة في المفهوم (المصطلحي) إنما تعني الرضا الكياني والاطمئنان والتوفيق الأماني، وكون أنها (حالة) فهي تعني الشعور بالابتهاج والسرور والانشراح والغبطة.

ويقول أصحاب علم النفس المعرفي إن السعادة حالة (دماغية) تجتاح العقل عن طريق التأمل والتفكير فإذا ما أدرك مسألة جديدة مضافة لمخروط المعرفة، أو بلغته عن طريق شيء لها جديد فيشعر بإمكانية الترويح عن الذهن كمكافأة ذاتية لما التقطه العقل من معلومة جديدة هامة ومفيدة وفقاً لهذا المفهوم يمكننا القول إن السعادة ذات ارتباط بالذكاء العقلي والتألق الذهني الذي يجعل في التلقي الواعي للمعرفة إحساسا بالبهجة.

ويقول فلاسفة علم الأخلاق إن السعادة التزام ومسؤولية التزام بالقيم الأخلاقية، ومسؤولية قبل الذات واستهداف الوصول بالذات إلى إدراك ماهيتها، والوعي بالحق والواجب والنجاح في التوازن المتوافق بينهما.. وإنكار ما يسبب العلة للذات كالكذب والاستبداد والتطرف والخداع والتضليل.

ووفقاً لهذا المفهوم أيضاً يمكننا القول إن السعادة التي تنبني على قانون الأخلاق تتيح السعادة الرشيدة الواعية الضابطة لتفاعلات ومشاعر البشر؛ فبدونها يفقد الإنسان القدرة على امتلاك ذاته.

وهكذا يكون الإنسان هو جالب السعادة ومحققها والمسؤول عنها، ومرجعيته في ذلك النسق القيمي الأخلاقي الذي يمثل حقيقة السعادة ومردودها في الوعي بالذات وبالآخر المجتمعي.

وهنا تكمن الحرية الملتزمة والمسؤولية المنضبطة في تكوين الذات الإنسانية كرافد أصيل في الكيان المجتمعي، فتعلو كرامة الإنسان وقيمة المجتمع.. فشيوع السعادة ونعيمها من نعم الله وخيراته.

ويقول خبراء الصحة النفسية إن السعادة هي الحب والتآلف والود والوئام، وهي أساس الاستقرار ومكمن السلام؛ والمقابل لهذه الصفات (ضداً) هو المسلكيات اللاسوية مثل الأنانية والجشع والتآمر والخديعة، والانعزالية وفقدان الشعور بالأمان وعدم الرضا والقناعة والإفراط في الابتزال والعنف وعدم الإقبال على الآخر.

والسعادة الحقة في انسجام المادة مع الروح ولا انسجام إلا في التكافل الاجتماعي والتحرر من الانغلاقية والتصلب.

إذن السعادة مسألة نسبية من إنسان لآخر ومن جنس لآخر ومن موقف الآخر.. ومن ثقافة لأخرى.

فمن هدى قرآننا الكريم يقول علماؤنا الأفاضل، إن من منهجية قرآننا في هداية البشر هو توجيههم إلى ما فيه من سبل تحقيق سعادتهم فالسعادة تتحقق برضا الله سبحانه وتعالى: فإن أنعم الله عليهم بإمارات الرضا أبان لهم دلائلها متمثلة في استجابته جل وعلا لما يتوجهون به إليه من رجاء ودعاء: فيقول الله تعالى: {رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ}سورة آل عمران (193- 195).

ويتضح من هذه الآيات الكريمة أن السبب الأول لبلوغ السعادة يتمثل في استخدام العقل في التأمل والتفكر والتدبر والتذكر والاعتبار في مخلوقات الله {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ}سورة آل عمران (190).

والسبب الثاني يتمثل في ذكر الله جل وعلا، واستحضار عظمة الله في قلوبهم: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ}سورة آل عمران (191) فضلاً عن ذلك فهم يتفكرون ويتأملون في صنع الله العزيز الحكيم ومن ثم فهم يقرون بأن خلق الله فيه حكمة بالغة ولم يكن خلقه عبثا.. ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار..).

ومن هنا كان نداؤهم وتضرعهم لله أن يسدد خطاهم على طريق الحق والعمل الصالح الذي يرضاه وأن يقيهم عذاب النار.

أما السبب الثالث في طريق السعادة فيتمثل في استجابتهم لما دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الإيمان بالله وإخلاص العبادة له، فيا ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وأزل عنا سيئاتنا، وبدل سيئاتنا يا ربنا حسنات، واجعلنا يا ربنا من الأخيار الأبرار وأنت راض عنا.

هذا مطلبهم ومطلبنا في الدنيا لتحقق لهم ولنا أمارات السعادة التي يتطلعون إليها. وإنما لهم مطلب آخر في الآخرة أن يمنحهم الله الثواب الذي وعدهم به حيث إنهم استجابوا لطاعة الله ورسوله وأن يرفع هاماتهم يوم القيامة ويسدي إليهم ما وعدهم به، والله لا يخلق الميعاد. وذلك الفضل من الله.

ولتتم سعادتهم فقد أجاب الله دعاهم وحقق لهم مقصودهم ثواباً لأعمالهم الصالحة.. وهذا هو مكمن السعادة الحقة.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد