Al Jazirah NewsPaper Saturday  06/12/2008 G Issue 13218
السبت 08 ذو الحجة 1429   العدد  13218
إشعال الفتنة بين الباكستان والهند
د. وحيد بن حمزة عبدالله هاشم

يصعب القول إنّ العمليات الإرهابية التي هزّت مدينة مومباي الهندية قبل أكثر من أسبوع، لم تحقق أياً من أهدافها المشبوهة، فالحقيقة المرّة وتداعيات الأحداث المؤلمة تشير إلى أنّها بالفعل حققت أكثر من هدف واحد: الأول، لا يقل عن الوقيعة مرة أخرى بين الدولتين بإشعال نار الفتنة السياسية والأمنية بينهما. الثاني، تفجير مخاطر العراك السياسي والصراع العسكري في حال تصعيد حالة الفتنة الطائفية والعرقية والدينية بين الدولتين الجارتين .. أخيراً وضع دولة الباكستان الإسلامية النووية (التي تُعد ثاني أكبر دولة إسلامية بعد إندونيسيا) في موقف دولي ووضع إقليمي لا يمكن أن تحسد عليه.

بعيداً عن أعداد القتلى والجرحى الأبرياء من الهنود الذين وقعوا ضحايا لعمليات إرهابية وحشية لا مبرر منطقياً لارتكابها، ولا مسبب واقعياً عقلانياً لتنفيذها، فإنّ الخطر كل الخطر يكمن في سلبيات ومن ثم مخاطر عودة الخلافات والتحديات السياسية والعسكرية والأمنية بين الباكستان والهند، فيما لو انفلتت من عقالها حالة الأفعال المضادة وردود الأفعال الانتقامية المضادة.

التاريخ السياسي يشير إلى أنّ الدولتين خاضتا قرابة أربع حروب ومواجهات عسكرية دامية مؤسفة منذ منتصف القرن الماضي، كما وأنّ كلاً منهما في الوقت الراهن تمتلك قدرات عسكرية تقليدية ونووية كبيرة، وتعدّان من الدول النووية التي تخزن ترسانات عسكرية نووية ضاربة لا يمكن التقليل من شأنها ولا من مخاطرها التدميرية، في حال وقوع تبادل عسكري نووي بين الدولتين.

وإذا ما وضعنا في الاعتبار أنّ المشكلة الخلافية بين الباكستان والهند تاريخية جذرية متعمّقة، وأنّ الخلاف الديني والعرقي والسياسي بينهما يشتعل بقوة تحت الرماد، فمن الطبيعي أن يكون للمخاوف العسكرية والأمنية الإقليمية والدولية ما يبررها لا سيما وأنّ كلاً من الدولتين تتمتع بدعم وحماية دولية من قِبل الدول العظمى كما وتحظى بتحالفات إقليمية ودولية متسعة النطاق يصعب التكهن بأنماط مخرجاتها السلبية في حال اتساع رقعة الخلافات والتحزبات الإقليمية والدولية حول القضايا الخلافية الرئيسية، وخصوصاً مكافحة الإرهاب والتعاون الدولي والإقليمي في القضاء عليه وعلى مصادره وأتباعه وأعوانه.

لكن من الواضح، مع الأسف، أنّ الخلافات الهندية الباكستانية ما أن أوشكت شعلتها على الانطفاء بعد عقود طوال من الحروب والأزمات والصراعات العقيمة، حتى أعادت إضرامها أيدي الإرهاب الخفيّة المعنيّة بتهديد الأمن والاستقرار في العالم الإسلامي التي دأبت على وأد مسيرة العالم الإسلامي التنموية، وإشغاله في أمور خلافية وصراعات عقيمة. لقد توصّلت شعوب العالم الإسلامي إلى قناعة تامة تؤكد أنّ هؤلاء الإرهابيين يستهدفونها ويعادونها ويستعدون عليها شعوب العالم. هذه الحقيقة يمثلها حرص زعامات تنظيمات الإرهاب من بن لادن وإلى الظواهري على فرض أجواء سياسية وأمنية داكنة في تلك المنطقة من العالم الإسلامي، لتبقى كوسيلة إعاقة لنمو وتطور الدول والشعوب الإسلامية، بل ولتستمر كأداة فتنة لنشر الصراعات والقلاقل والاقتتال بين المسلمين وفيما بين المسلمين وغيرهم من الديانات الأخرى. نعم لقد أبت زعامات الإرهاب والضلال إلاّ وأن تفرض أنماطاً إنسانية معيشية عسرة وسلوكيات إنسانية عدائية على كلٍ من الباكستان والهند بعد أن أقدمت على تنفيذ تلك العمليات الإرهابية الدامية.

المآسي والعنف والإرهاب الذي يحدث في العالم الإسلامي من الباكستان شرقاً وإلى المغرب العربي غرباً، ومن إندونيسيا جنوباً وإلى تركيا وبلاد الشام شمالاً، لا يمكن أن يقبله عقل إنسان عاقل وسوي، وبالتالي لا يمكن أن تستوعبه إلى الأبد الشعوب الإسلامية أو أن تقبل بمواصلة البقاء تحت ضربات مطارقه الدموية التي لا ترحم.

الخطر الإرهابي العميل واضح إذن، ومشكلة المؤامرات الإرهابية اتضحت معالمها الحقيقية، فعلام إذن الانصياع وراء منطق الشر والعدوان والوقوع ضحية سهلة لمؤامرة إرهابية يدرك الجميع خلفيتها وأهدافها وأطماعها الموبوءة.



drwahid@email.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد