Al Jazirah NewsPaper Sunday  07/12/2008 G Issue 13219
الأحد 09 ذو الحجة 1429   العدد  13219
حُسْن الظن
د. عبدالله بن محمد الرميان

يظن البعض أن حُسن الظن بالآخرين يدخل في السذاجة التي يُذَم صاحبها، وأن عكسه من سوء الظن واتهام النيات والتدخل في مقاصد القلوب يعتبر من الكياسة والفطنة والدهاء، ويبني هؤلاء علاقاتهم وقراءاتهم للأقوال والأشخاص والأحداث وفق هذا المبدأ، ويحاكمون الناس عليه.

نعم على الإنسان أن يبعد نفسه عن مواطن التهمة وأماكن الريبة، لئلا يساء به الظن، وحتى لا يقع عرضة لسهام الخلق وألسنتهم.

لكن هذا لا يبيح لأخيه أن يحمله على المحامل السيئة وأن يأخذ الناس بالتهمة، فالأصل بالمسلم البراءة. وحسن الظن هو الواجب حتى يثبت ضده.

قال تعالى: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} ويجمع هذا ما جاء في وصية بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنَّن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شراً وأنت تجد لها في الخير محملاً، ومن عرض نفسه للتهم فلا يلومن إلا نفسه).

فنحن في هذا الموضوع بين شخصين:

أحدهما: من يأخذ الناس بالتهمة ويسيء الظن بالناس ويحملهم على أسوأ المحامل، فالأصل عنده سوء الظن حتى يثبت ضده بالأدلة القواطع والبراهين.

والآخر: من يضع نفسه دائماً في مواضع التهم ويُرِي الناس من نفسه السوء، ويطلب في حديثه الفتنة والإثارة ويريد الناس أن يحملوا كلامه على أحسن المحامل وإن لم يجدوا له محملاً، مع أنه ليس في تاريخه ولا سابق سيرته ما يشفع له بذلك.

نحن لم نؤمر بالتنقيب عما في القلوب إنما يحاسب الإنسان على عمله ويؤخذ بصراحة قوله دون البحث عما خلف الكلمات أو قراءة ما بين السطور، لقد قال - صلى الله عليه وسلم - لأسامة بن زيد - رضي الله عنهما - لما قال عمن قتله بعد أن نطق بالشهادة: إنما قالها تعوُّذاً - أي حماية لنفسه من القتل - (هلا شققت عن قلبه).

ومن هذا المبدأ تأتي المطالبة بعدم تصنيف الناس والسعي لحملهم على المحامل الحسنة، وليس معنى هذا أن الناس على قلب رجل واحد بل فيهم المؤمن والكافر والمستقيم والفاسق والصالح والطالح والنصوص الشرعية تشهد بذلك.

لكن أن تطلق الاتهامات هنا وهناك بلا دليل ولا برهان فهذا علماني وذاك ليبرالي والآخر منافق وذاك مداهن بمجرد أنه أخذ برأي يخالفك وتبنى مذهباً آخر في أمور يسع فيها الاجتهاد ولو كان مذهباً مرجوحاً أو حتى أخطأ في مسألة يحسن تنبيهه دون تصنيفه.

ومن العجب في هذه المسألة أن من الناس من يرى بعين واحدة ويقرأ النهي عن التصنيف قراءة مختلفة وفق رغبته وهواه، فالتصنيف المنهي عنه هو تصنيفه ومن على منهجه، فيتهجم على أناس بأسمائهم وأوصافهم بل ويجردهم من ألقابهم العلمية ودرجاتهم الأكاديمية، فمرة يسميهم بالمنبريين وأخرى بالصحويين وثالثة بالحزبيين، علماء ودعاة عرفوا بالعلم والعمل والدعوة وقبل ذلك بالمواطنة الصالحة.

حلال على بلابله الدوح

حرام للطير من كل جنس

نحن بحاجة ماسة على إعادة النظر في النظر إلى الناس وترك القلوب لعلام الغيوب.

عميد كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد