Al Jazirah NewsPaper Friday  12/12/2008 G Issue 13224
الجمعة 14 ذو الحجة 1429   العدد  13224
خدمة الحرمين وضيوفهما 2-2
د. محمد بن سعد الشويعر

ويقول تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} (12) سورة الزمر. وما تلبية الحجاج إلا براءة من الشرك، وإعلان لتوحيد الله، وتخصيصه بالإجابة والطاعة، من سواه.

ثانياً: أن يكون عملهم وحجهم، موافقاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، عن ربه فإن أي عمل لم يأت به النبي الأمين، صلى الله عليه وسلم، مهما كان لونه، ومهما كان القصد

منه، فهو مردود على صاحبه، لأنه مما لم يشرعه الله لعباده

والله تعالى ما تعبد الناس، إلا بما شرعه لهم، وما عدا ذلك فهو من اتباع الهوى الذي نهانا الله عنه وقال الله تعالى لنبيه الكريم، محمد صلى الله عليه وسلم: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِين}(19) سورة الجاثية.

ويقول الله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}(31) (32) سورة آل عمران.

ويقول سبحانه: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (80) سورة النساء. وفي الحديث الصحيح: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وفي رواية أخرى: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).

فعليكم أيها المسلمون وحجاج بيت الله الحرام: أن تتبعوا ما جاءكم به، نبيكم صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، ولا تبتدعوا في دينكم، فقد كفيتم، والله سبحانه وتعالى لم يقبض نبيه صلى الله عليه وسلم إلا بعدما أكمل الرسالة وأكمل الله به الدين وأتم النعمة، وأنزل قوله الحكيم: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}(3) سورة المائدة.

فما لم يكن في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ديناً فليس اليوم بدين، ومن حسن للناس شيئاً لم يكن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم فقد شرع للناس ما لم يأذن به الله، ومن تبعه في ذلك فقد جعله لله شريكاً في التشريع وهو من خصائص الألوهية وقد قال الله تعالى عمن فعل ذلك: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(21) سورة الشورى.

ثالثاً: أن يحافظوا على أوقاتهم فلا يضيعوها في لهو أو لعب، وإنما ينبغي أن يغتنموا أوقاتهم، فيما ينفع ويفيد من أمور دينهم ودنياهم، فإن الوقت هو الحياة، ومن أضاع وقته أضاع حياته، ومن أضاع حياته، ندم ولا تنفعه الندامة، وتمنى الرجعة إلى الدنيا ليعمل صالحاً فلا تتحقق له أمنيته، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون}(9) (10) سورة المنافقون.

وينبغي لحجاج بيت الله خاصة أن يجتهدوا في العبادة لله فما خرجوا من ديارهم وأهلهم إلا ليتحصلوا الأجر والثواب، ويجتنبوا الخصام والجدال، فيما بينهم، حتى يعودوا من حجهم، وقد خرجوا من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم وإنه لحظ عظيم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه). وينبغي أن يسود بينهم الحب والإيثار والتعاون، على البر والتقوى، ولا يؤذ بعضهم بعضاً عند أداء المناسك والوقوف بالمشاعر فإن إيذاء المسلم ذنب كبير ينبغي الحذر منه.

رابعاً: أن يقوموا بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي أمر الله به المسلمين كل بحسب استطاعته كما جاء في الحديث الصحيح: (من رأى منكم منكراً، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).

فأهل الولايات، يغيرون المنكر باليد، من لهم عليهم ولاية، وأولوا العلم يغيرون المنكر بالحجة والبرهان، وعامة الناس يغيرون المنكر بالقلب، إذا لم تكن عندهم حجة.

وصفة إنكار المنكر بالقلب، مفارقة مجالس المنكرات وعدم الجلوس فيها وإلا فهو مثلهم والواجب الحذر عن مشابهتهم والله سبحانه يقول، وقوله الحق: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(68) سورة الأنعام.

ولا يفوتني قبل أن أنهي كلمتي، أن أذكر إخواني المسلمين بإخوانهم المستضعفين الذين يجاهدون أعداء الله في كل مكان وفي فلسطين، وغيرها من ديار المسلمين، التي منيت بحروب عليهم، من أعداء دين الله الحق، وكذلك الفقراء الذين تستحق لهم الزكاة لأنهم من أهلها، وتنطبق عليهم الآية الكريمة {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(60)سورة التوبة.

وتذكروا قول الله سبحانه: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا}(10) (8) سورة الإنسان.

والموسر يمد يد المساعدة والعون، حتى يعين إخوانه، فإن للفقير واليتيم وذي الحاجة حقاً في مال الله الذي آتاه حتى يؤوا نساءهم، ويطعموا أطفالهم، يقول سبحانه: {تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ}(272) سورة البقرة.

وفقنا الله وإياكم لطاعته وأعاننا وإياكم على ذكره وشكره، وحسن عبادته، وجعل حجنا وحجكم مبروراً وذنبنا وذنبكم مغفوراً وسعينا وسعيكم مشكوراً.

ونسأل أن يوفق حكام المسلمين للعمل بالإسلام، وتطبيق شريعته وإقامة حدوده، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

ومن المناسب في هذا الحيز: أن أورد فتوى واحدة لسماحته تهم بعض الحجاج ونص السؤال: إذا احتلم إنسان أثناء الإحرام فما حكمه وماذا عليه؟ فأجاب رحمه الله: إذا احتلم في الإحرام وأنزل المني فعليه الغسل ولا شيء عليه، وإحرامه صحيح ولا يضره شيء لأنه ليس باختياره وهكذا الصائم في رمضان وغيره إذا احتلم صومه صحيح ولكن إذا أنزل المني يغتسل غسل الجنابة (17 - 139 من فتاوى سماحته).

رجال من الصلحاء:

ما أكثر هؤلاء في تاريخ رجال الإسلام ممن تعلموا فعرفوا وتعبدوا فزهدوا وأعطاهم الله فقنعوا من هؤلاء مطرف بن عبد الله بن الشخير الذي قال عنه الذهبي الإمام القدوة الحجة العامري البصري تابعي من خيارهم، ولد عام وقعة بدر الكبرى، قال العجلي: كان ثقة لم ينج بالبصرة من فتنة ابن الأشعث إلا هو وابن سيرين وكان يقول: فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة وخير دينكم الورع.

وكان مستجاب الدعوة قيل إنه كان بينه وبين رجل كلام فكذب عليه فقال: اللهم إن كان كاذباً فأمته، فخر ميتاً بمكانه فرفع ذلك إلى الوالي: زياد بن أبيه فقال: قتلت الرجل، قال: لا ولكنها دعوة وافقت أجلاً.

وحدث أبو التياح قال: كان مطرف بن عبد الله يبدو أي يخرج إلى البادية، فإذا كان ليلة الجمعة أدلج على فرسه - يريد البلد لصلاة الجمعة فربما نور له سوطه، فأدلج ليلة، حتى إذا كان عند القبور، هوم - يعني نعس - على فرسه، قال: فرأيت أهل القبور، صاحب كل قبر جالساً على قبره، فلما رأوني قالوا: هذا مطرف يأتي الجمعة، قال مطرف: قلت: أتعلمون عندكم يوم الجمعة؟ قالوا: نعم.. نعلم ما تقول الطير فيه.

قلت: فما تقول الطير؟ قالوا: تقول سلام سلام، من يوم صالح. إسنادها صحيح.

وأورد الذهبي بالسند عن ثابت البناني ورجل آخر أنهما دخلا على مطرف وهو مغمى عليه فسطعت معه ثلاثة أنوار: نور من رأسه، ونور من وسطه، ونور من رجليه. فهالنا ذلك فأفاق فقلنا: كيف أنت يا أبا عبد الله؟ قال: صالح فقيل: لقد رأينا شيئاً هالنا قال: وماهو؟ قلنا: أنوار سطعت منك. قال: وقد رأيتم ذلك؟ قالوا: نعم. قال: تلك تنزيل السجدة وهي 29 آية، سطع أولها من رأسي، ووسطها من وسطي، وآخرها من قدمي، وقد صورت تشفع لي، فهذه ثوابية تحرسني.

وقال غيلان بن جرير: حبس السلطان ابن أخي مطرف فلبس مطرف خلقان ثيابه وأخذ عكازاً وقال: استكين لربي لعله أن يشفعني في ابن أخي، ويروى عنه قوله: لا أفلح والله من زكى نفسه أو أعجبته.

(سير أعلام النبلاء للذهبي 187:4 - 195)



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5068 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد