Al Jazirah NewsPaper Friday  12/12/2008 G Issue 13224
الجمعة 14 ذو الحجة 1429   العدد  13224
حولها ندندن
هويتنا اللغوية
د. جواهر بنت عبدالعزيز آل الشيخ

أشارت إحدى كاتبات الجزيرة الفاضلات في إحدى مقالاتها الهادفة: إلى استهانة بعض الكتاب الصحفيين والصحفيات باللغة العربية أثناء كتاباتهم لمقالاتهم، وإيرادهم لبعض الكلمات العامية أو غير الفصيحة، ويحتجون لذلك بأنهم إنما يضعون تلك الكلمات بين قوسين، مشيرة إلى أن الخطأ يتضاعف حينما يصدر من متخصصين أو متخصصات في اللغة العربية.

وأنا أشد على يد تلك الكاتبة القديرة التي لا تتناول في كتاباتها إلا موضوعات قيمة تخدم الإسلام والعربية والوطن والعلم، وليس مجرد خدمة مصالحها الخاصة حتى لو كانت ستؤدي بكل ذلك إلى التهلكة.

بيد أني أود أن أشير إلى أمر حيوي بهذا الخصوص، وهو أن الأديب العباسي الكبير (الجاحظ) الذي تربع عرش الأدب العربي في أزهى عصوره، كان يورد في قصصه وكتاباته بعض الكلمات التي ينطق بها العوام أو المولدين، وذلك ليس استهانة منه بالفصحى وهو أحد فرسانها، وإنما كي ينقل إلينا الواقع بكل ما فيه، حيث يقول في كتابه البخلاء الذي يحكي فيه طرائف هؤلاء المقتّرين في عصره: (وإن وجدتم في هذا الكتاب لحناً أو كلاماً غير معرب أو لفظاً معدولاً عن جهته، فاعلموا إنما تركنا ذلك لأن الإعراب يبغّض هذا الباب ويخرجه من حده، إلا أن أحكي كلاماً من كلام متعاقلي البخلاء وأشحاء العلماء).

فقد يتغير المعنى المراد والهدف الذي يقصده المؤلف إذا تدخل هذا الكاتب في تغيير ألفاظ المتكلمين أو أفعالهم التي يود نقدها وبيان فداحة خطئها وإثارة السخرية حولها، لذلك عدّ نقاد الأدب الجاحظ من أوائل كتاب (الواقعية)، فهو الذي ينقل إلينا الواقع بكافة تفاصيله ودقائقه، من باب النقد الاجتماعي الذي اشتهر به.

وبالتالي إذا كان هدف الكاتب المعاصر إيجابياً، واحترس في ذلك من خلال وضع ما يريد نقله إلى قرائه وسط قوسين يوضحان مراده من هذا النقل، وليس استهانة منه بلغة كتاب الله العظيم، التي كانت من الجمال والسعة أن ذكرت بعض الألفاظ التي قيل أنها أعجمية ولكنها في غاية الرقي، مثل كلمات: (الفردوس والديباج والسندس والإستبرق)، وقد تكون أصولها القديمة عربية، فأصل اللغة واحد: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا).

ولكن ليس معنى ذلك أن نتوسع خارج هذا النطاق فتضيع معاني ألفاظ القرآن الكريم، الذي هو كتاب حياة وتشريع له قدسيته التي من واجبنا جميعاً أن نحافظ على لغته الحية ودلالاتها، وإلا كنا مفرطين ثم بالتالي محاسبين، إضافة إلى أنها الرباط الوحيد بين المسلمين في عصر تفلتت فيه بقية الأربطة.



g.al.alshaikh12@gmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 9701 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد