Al Jazirah NewsPaper Thursday  18/12/2008 G Issue 13230
الخميس 20 ذو الحجة 1429   العدد  13230
الشباب وحياة اللهو..
د. عبدالله بن سعد العبيد

تولي الدولة رعاية خاصة لشباب هذا الوطن تتضح من الأهمية القصوى التي تنتهجها في برامجها التنموية الشاملة التي توجهها للشباب ومستقبل الشباب على المديين القصير والبعيد في مناحي الحياة المختلفة.

وما ذلك إلا لقناعتها للدور المهم الذي يفترض أن يلعبه الشباب في بناء حضارات الأمم، ودفع عجلة تقدم الشعوب. كيف لا وقدة أثبت العالم من حولنا أن من يدفع عجلة التقدم في مجالات الحياة المختلفة هم من شبابه.

وما سبق من اهتمام الدولة وما سيلحق ما هو إلا من خلال إدراكها واستشعارها ليس بمسؤوليتها عن تطوير الشباب وتقدمه فقط بل لقناعتها أن المسؤولية المستقبلية لمتابعة عجلة التقدم تقع على عاتق شباب اليوم الذي يعتبر سواعد الأمة التي يجب أن يعتمد عليها ويعمد إلى تقويتها ودعمها.

الشباب كنوز الوطن المخبوءة لأيام القحط، وسيوفه المشرعة في وجه أعدائه المتربصين، ويده القوية في البناء والتنمية، وما من أمة على وجه الأرض تحترم نفسها وتستشعر مسؤولياتها إلا وتتعهد هذا الغرس الطيب بكل ما تؤتى من إمكانات وإمكانيات مادية ومعنوية، تسلحه بالثقة، وتغذيه بالعلم، وتسقيه مكارم الأخلاق، وتستميت لتقييمه وتقويمه، وتشربه تعاليم الدين الحنيف، لأن الحصاد لابد آت، فإما لذة الغلال الوفيرة وطيب الثمرات الطيبات المتوقعة، أو ألم الشوك ووخز الصبار، وحصاد السوء، فغراس المستقبل الواعدة أمانات الأمم وعهدة المسؤولين من أبنائها.

ولعل المتنزه في مقومات نشوء الحضارات على مر العصور وعوامل نهوض الأمم فيما مضى لن يجد صعوبة في استجلاء الحقيقة. الشباب سبيل الأمم إلى كل جديد وحصنها الحصين وعتادها في وجه كل عدو مريد والأمثلة على ذلك كثيرة لا يحيطها عد، وأسود الدعوة المحمدية خير مثال يقرأ في مثل هذا المقام وإن ما يتمتع به الشباب من خلال عقلية شابة جامحة وبدنية ونفسية فائقة تمنحهم مرتبة حماة الوطن المشرفة في الحروب وتمنحهم رتبة حملة لواء البناء والنماء والتنمية في السلم، فعقلية الشباب تتصف بالمرونة والانفتاح والقدرة الباهرة على التكيف مع أي طارئ جديد تخبئه مستجدات الحياة المتصفة بالتغير والتسارع المستمرين في مختلف المناحي العلمية والسياسية والاجتماعية، والنفس الشبابية أصلب إرادة، وأمضى عزيمة، وأقدر على مواجهة التحديات مهما لاحت في الأفق من المحبطات والمثبطات وكاسرات الإرادة؛ فالإرادة والعزيمة، وحب الاكتشاف، والقدرة على تحويل المستحيل إلى ممكن من ألصق الخصائص الطيبة بالشباب.

ومما لا يقبل الشك أن القدرة البدنية الكامنة إن أُحسن تربيتها من أكثر السيوف مضاءً وقدرة على تحويل الأفكار المجردة إلى إنجازات وأوسمة يزين بها الشباب صدر واقعهم، ويرسمون بها ملامح وجه مستقبلهم المشرق وبالتالي مستقبل بلادهم وأوطانهم.

يخطئ من ينادي بضرورة محاكاة الدول المتقدمة في بناء الحجر والطوب وتقديمه على بناء الإنسان والشباب، تلك الكومة من الأحجار التي تمثل معالم وآثار رائعة من العمارة والبنيان لاشك ملامح حضارية مؤقتة مآلها إلى وهن وزوال، أما بناء الشباب فهو بناء الحضارة نفسها، الحضارة الأكثر ديمومة وتجدد وقدرة على البقاء والاستمرار، والأكثر ثقة في بناء مستقبل الأمة.

ومما يقلق في هذه المرحلة الحرجة من حياة أمتنا انصراف الشباب إلى حياة اللهو والراحة، في الوقت الذي تعيش الأمة أمس أوقاتها حاجة إلى طاقات أبنائها الشباب بإمكاناتهم التي لا تحدها حدود، بدنية، وعقلية، ونفسية، وذلك رغم المحاولات المستميتة التي يبذلها شرفاء الأمة من قادة وعلماء ومربين ومعلمين لاستخلاص رحيق طاقة الشباب، والسمو بأفكارهم وتوجيههم لما ينفع مستقبلهم وينهض بمستقل شعوبهم ويرقى بأممهم.

ومكمن الخطورة في هذا الشر الداهم المحيط بالأمة أن شبابها لا يعرفون أهمية الدور المنوط بهم في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ أمتهم.

ويبرر بعض ناقصي العقول هذه الغفلة، والانصراف عن هموم الوطن والأمة بأنهم يريدون أن يعيشوا حياتهم، وأن يتمتعوا بشبابهم، وكأن الشباب في مخيلتهم السقيمة للمتعة والاستمتاع فقط، ألهذا منح الشباب القوة والقدرة والمرونة؟.

ولابد من التذكير بما يقع على عاتق حسام الأمة من مسؤوليات جسام؛ لعل الذكرى تحمل إلى الضمائر النائمة وتنقذ القلوب الغارقة في اللامبالاة واللاإنتماء، وتنفض صدأ البلادة عن العقول المبدعة الواثبة الطامحة إلى غدٍ أفضل، يعلو فيه شأن الأمة وتعاد إلى واجهة الأمم المتحضرة قولاً وعملاً. إن ما تعانيه أمتنا اليوم من إحباط ويأس وويلات تبدأ ولا تنتهي ناتج عن إقصاء الشباب أو إنشغالهم عن شؤون الأمة العظيمة بشؤون صغيرة أقرب إلى التفاهة وأبعد ما تكون عن روح الحياة الحرة الكريمة، وهذا أمر مؤسف للغاية ومؤشر بالغ الخطورة على ما ينتظر الأمة في مستقبلها القريب والبعيد على حد سواء.

إن أمتنا ومجتمعنا اليوم أحوج ما تكون إلى جهود العاقلين المخلصين من شبابها حاجة الأرض العطشى إلى مدامع الغيث، لأن الشباب وحدهم القادرون على حمل بشائر التفاؤل والأمل إلى صدور أبناء الأمة، القادرون على منح الأمة ابتسامة رجاء وأمل تحفظ وجودها وتمنحها إمكانية الاستمرار في مواجهة الأخطار والمحن المتكالبة على أبنائها، المحيطة بهم من كل حدب وصوب إحاطة السوار بالمعصم، ولن يكون ذلك إلا إذا تخلص الشباب من أمراض التفاهة والميل إلى اللهو واللامبالاة وتخلصوا إلى الأبد من التقليد السطحي الأعمى لأبناء الأمم الأكثر مدنية وتبروؤا من شعورهم بالغربة والانسلاخ عن وطنهم وأمتهم.

إن الانتماء الإيجابي للوطن يحتم على الشباب أن يعملوا مخلصين على الخروج من ظلمة الجهل والتبعية إلى نور العلم، والشعور بالقدرة والكرامة والاستقلال، وأن يأخذوا بكل السبل المتاحة للارتقاء بأنفسهم ومجتمعاتهم وأمتهم، إلى الحد الذي يضمن لهم الكرامة والشعور بالحرية ويضمن لأمتهم الهيبة والاحترام بين أمم الأرض، وما ذلك على الشباب بعسير لو توفرت الإرادة المخلصة والعزيمة الماضية والإيمان الراسخ أن يد الله بيد كل مخلص غيور.

والسؤال المطروح والجريء في ذات الوقت، من من الطرفين في غفلة من أمره؟ أهي الجهات الرسمية التي يقع على عاتقها ليس فقط ما تقدم من الرعاية المطلوبة لشباب الأمة وعضدها بل وتنوير الشباب بالدور المناط بهم في القادم من الأيام، أم تقع المسؤولية على الشباب الغائب الحاضر الذي ربما لا يعي مسؤوليته ولا ينظر بعين التقدير لما تقوم به الدولة لتطويره وتطوير قدراته وبناء وتنمية استعداده لتولي زمام الأمور. سؤال أطرحه بسذاجة بالغة إذ لا يمكن لعاقل ألا يدرك أنها مسؤولية مشتركة ولكن على من يقع عاتق تنوير الطرفين بها؟ هذا ما أود سماع إجابته.

والله من وراء القصد،،،



dr.aobaid@gmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد