Al Jazirah NewsPaper Thursday  25/12/2008 G Issue 13237
الخميس 27 ذو الحجة 1429   العدد  13237
السياسة الجنائية عندنا وعندهم
مندل عبدالله القباع

حدث لغط كثير لديهم (هناك) في الغرب حول ما لدينا (هنا) من تطبيق شرع الله إزاء المجرم والمنحرف. وزايدت في الأمر منظمات مغرضة تطلق على نفسها (حقوقية). وعسانا من نظمهم العقابية ندحض إدعاءاتهم ومقولاتهم، فهم يقولون في تشريعاتهم الوضعية: إن الغاية من السياسة الجنائية هي العمل على مكافحة الجريمة والانحراف بغية استتباب الأمن والاستقرار، وإن بدا اختلاف فهو ليس في الغاية ولكن في تناول الوسيلة، وأن هذه الوسيلة أو تلك من وسائل الحماية الجنائية فهي في يد الدولة تستخدمها إن شاءت لحسم الصراع الدائر بين التأكيد على سلطة الدولة الحمائية الضابطة ومطلب حقوق الإنسان- وغالباً يحسم الصراع لصالح سلطة الدولة باعتبارها الطرف الحاكم الأقوى في طرفي الصراع (الدولة ومطلب حقوق الإنسان).

هذه مقولتهم في السياسة الجنائية وتعريفهم لها بأنها سياسة صراعية. ونتساءل إزاءها هل حسم الصراع أم ما زال قائماً بين سلطة الدولة في عملية الضبط وبين مطلب التحرر من كل قيد؟

إنهم يعظمون من فكر (أحد مفكريهم) الداعي لاستبدال الوسائل الجنائية (التقليدية) -كما يدعى- بوسائل أخرى (اجتماعية) كي يتحقق للفرد الخلاص من سيطرة الدولة في إحكام الضبط الآمن.

والرأي لدينا أن (هذا المفكر) في دعواه هذه أنه يكرس تسيب الفرد وتقويض سلطة الدولة، حيث يعتد بشخص المجرم ولا يعبأ بالجريمة ذاتها ومدى جسامتها وأثرها الواقع على المجتمع وما يجره إلى الفساد والهوان، إنه خفوق في وسائل التوفيق الوضعية مما يجعلنا ننحاز إلى السياسة الجنائية الإسلامية وما تتضمنه من قواعد ومبادئ من ثوابت في العقيدة والشريعة.

ومما يجدر الإشارة إليه أن هذه القواعد والمبادئ لا تؤكد على حقيقة التوازن المقبول بين طرفي الصراع فحسب بل تتعداه إلى حد التوفيق الواقعي بين طرفي هذا الصراع.

ولما كان الإسلام هو دين الوسطية، فهو لا يناصر طرفاً على آخر من طرفي الصراع، كما أنه يحض على عدم التصلب والتطرف في سلطة الدولة أياً كانت مبررات ذلك، ويوضح ذلك سبحانه وتعالى في سورة الكهف آية 28: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً).

وفي ذلك الوقت الذي يحض فيه على عدم الإفراط والتفريط فيما للإنسان من حقوق حيث يقول سبحانه وتعالى في سورة القيامة آية: 26 (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدىً).

فإذا كان محققاً عدم الإفراط والتفريط بين طرف وآخر فثمة مواءمة ومصالحة بينهما، فسلطة الدولة في الشريعة الإسلامية إقامة الحق والعدالة والحماية الواجبة من مغبة الجريمة والمجرم.

فماذا عن الشريعة الإسلامية إزاء مواجهتها لكل من الجريمة والمجرم؟

أولاً: الوقاية من التردي في مهاوي الجريمة وذلك بالحيلولة دون تكوين الشخصية الإجرامية بالتوصل إلى الاستعداد الكامن والتعامل معه ومعالجته وفقاً لأحكام العقيدة.

ثانياً: العلاج لمن تردى فعلاً في حومة الجريمة حسبما يكون عليه الفعل الإجرامي، وذلك باتباع تدابير علاجية أو إدارية أو أمنية أو عقابية تعزيرية أو حدية. وقد تنبه لذلك (أحد علماء الغرب) حيث وصف السياسة الجنائية في الإسلام بالدفاع الاجتماعي، في الوقت نفسه الذي يقر فيه بقوله: (ليس بعيداً أن يكون الدفاع الاجتماعي قد أتى إلينا من البلاد الإسلامية).

ولذا فهو يدعو الدول العربية إلى ضرورة اتباع ما يحض عليه الإسلام من الناحيتين القانونية والأخلاقية، كما يقر كذلك أن الشريعة الإسلامية بمثابة أرضية صالحة للسياسة الجنائية الحديثة، ومن ثم فقد طالب بضرورة التأكيد على التراث الحضاري وما يتضمنه من مبدأ المواءمة بين طرفي الصراع من أجل حماية كل من الفرد والمجتمع. فالأساس في الفكر الإسلامي حفظ المصالح ذات الأصول الخمس: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال.

فلا غرو أن حماية هذه الضرورات الخمس فيه حماية للمجتمع من أن تنتهك حرماته، أي حمايته من الجريمة بأنواعها باعتبارها اعتداء للمصالح المعتبرة في الإسلام أو على أحد منها، كأن يكون اعتداء على النفس بالقتل أو بالإيذاء أو المهانة، والاعتداء على الدين ردة أو تطرفاً، أو الاعتداء على العقل بالإدمان، أو الاعتداء على المال بالسرقة والاختلاس والرشوة أو التزوير، أو الاعتداء على النسل بالاغتصاب والزنا.

وبناء على ذلك يبرز دور العقوبة الجزائية في عملية الإصلاح والتأهيل حتى يصبح الإصلاح والتقويم له مكان الصدارة في النظام العقابي، لا سيما وأن مفهوم العقوبة ينضوي على التوجه الإصلاحي. فالعقوبة هي إيلام مقصود يوقع من قبل الدولة على فعل الجريمة، ويتناسب معها.

فالإيلام تأثير تتركه العقوبة في نفس الجاني بغية تحقيق الإصلاح، فلا عقوبة إلا بناء على وقوع فعل محرم مسبقاً، ويشترط أن تكون العقوبة مناسبة للجريمة، أي أن ثمة ارتباطاً بين الإيلام والجريمة ووفقاً لظروف المجرم وإمكان إصلاحه ومقتضيات تأهيله.

فثمة فعل محرم وثمة إرادة فاعلة. فالفعل هو مرتكز النظام الجزائي وتقديراته من أجل الحماية الموضوعية للضرورات والمصالح. وبحال ذلك فثمة موجب للنظر في الفعل المؤثم في ذاته، وثمة فاعل يتوجب وضعه موضع الاعتبار وتنبني المسئولية على مدى الإدراك والحرية في اختيار الفعل وملحقاته في دينامية الواقع الاجتماعي والمنجز السلوكي في شبكة العلاقات الاجتماعية.

وختاماً يمكن القول: أن الفرد - بمكونه الذاتي- هو مناط المسئولية وأن في العقاب تحقيق للعدالة من جانب والردع العام والخاص من جانب آخر.






 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد