Al Jazirah NewsPaper Saturday  03/01/2009 G Issue 13246
السبت 06 محرم 1430   العدد  13246
تآكل القيعان يرسم خريطة الرابحين!
الأزمة المالية تكشف عمق مشكلات سوق الأسهم المحلي في عام 2008

 

د. حسن الشقطي

رغم أن عام 2008 هو العام الأكثر تضمناً لإصلاحات سوق الأسهم، ورغم أن هذا العام شهد أعلى أسعار قياسية لأسعار النفط، ورغم أن هذا العام شهد أعلى معدلات نمو في الاقتصاد المحلي، وبالتالي أعلى معدلات نمو في أرباح الشركات على الأقل حتى الربع الثالث منه.. رغم كل ذلك، فإن سوق الأسهم المحلي نال من الاضطرابات ما لم ينله في أي عام آخر، حتى بما يفوق عام التصحيح القاسي في 2006.. فقد سقط المؤشر من مستوى 11,039 نقطة في نهاية عام 2007 إلى مستوى 4803 نقاط في نهاية عام 2008، أي خسر حوالي 6236 نقطة أو ما يعادل 56.5% من قيمة المؤشر.. وبدت التساؤلات التي تستثير المتابعين للسوق أكثر إلحاحا: كيف حدث هذا الهبوط الحاد؟ ألم ينتهِ تصحيح السوق؟ وهل فعلاً الأزمة المالية الراهنة هي السبب وراء التراجع الحاد للمؤشر؟ أم أن هذا الهبوط كان سيحدث سواء حدثت الأزمة الراهنة أم لم تحدث؟ بمعنى إذا لم تحدث الأزمة المالية.. هل كان سيصمد المؤشر حقاً فوق مستوى الـ8500 نقطة؟

سوق الأسهم المحلي ثاني أكبر خاسر في أسواق الخليج

لقد جاء سوق دبي محققاً أعلى خسارة بنسبة 72%، تلاه مباشرة السوق السعودي بخسارة 56.5%.. وجاء في المرتبة الثالثة سوق أبو ظبي بخسارة 48%، ثم سوق مسقط بنسبة 39%، ثم الكويت بخسارة 38%، ثم البحرين، وأخيراً قطر. أي أن أسواق دبي والسعودية وأبو ظبي جاءت على رأس قائمة الخاسرين.. وإذا كان من السهل إدراك سبب الخسارة الكبيرة في سوقي الإمارات، حيث إنهما يمثلان أسواقاً شبه حرة أمام الاستثمارات الأجنبية، وبالتالي تمتلك نسبة كبيرة من الأموال الساخنة التي يفترض أنها تتأثر بالأزمة المالية فتبادر بالانسحاب سريعاً، وبالتالي فإن خسارتها مبررة.. إلا أنه على النقيض من ذلك فإن السوق السعودي يعتبر أقل الأسواق الخليجية من حيث الأموال الساخنة؛ حيث إن النسبة الكبرى من السيولة المتداولة به هي لأفراد سعوديين.. فكيف ولماذا هذه الخسارة الكبيرة؟

تطابق الكميات المتداولة خلال عامي 2007 و2008

من الأمور الغريبة التي يقف أمامها الفرد ولا يجد لها تفسيراً هي تطابق أرقام الكميات المتداولة في السوق خلال عامي 2007 و(تقديري) 2008 عند مستوى 58.9 مليار سهم، وذلك رغم الاختلاف الكبير في مستوى السيولة السنوية المتداولة في كلا العامين؛ فقد وصل حجم هذه السيولة في عام 2007 إلى حوالي 2.56 تريليون ريال، في حين أنها انخفضت كثيراً لتصبح حوالي 1.97 تريليون ريال (تقديري) فقط في عام 2008، هذا رغم أن هناك ما يزيد على 13 شركة جديدة توافدت على السوق خلال عام 2008م.

خسارة المؤشر في 2008 أعلى من خسارته خلال أزمة تصحيح 2006

سوق الأسهم السعودي لم يعتد على الخسائر السنوية بهذا الشكل الكبير إلا مع إغلاق عام 2006، ذلك العام الذي خسر فيه المؤشر حوالي 52.5% تقريباً، وحينها قامت الدنيا ولم تقعد تأثراً بهذه الخسارة الكبيرة.. إلا أن الأمر المستغرب أن السوق خسر خلال عام 2008 خسارة تفوق خسارته في 2006م، حيث وصلت إلى 56.5% ولم تكن ردة الفعل كما كانت في سابقتها.. وتعتبر خسارة 2008 أكثر قسوة من خسارة 2006م، كما أن كل نقطة ضاعت في عام 2008 بالفعل تعتبر تآكلاً في قيعان أو أساسات داخل أصول مالية حقيقية لعدد كبير من الشركات ذات المصداقية المالية بالسوق.

خريطة الرابحين في 2008!

إذا بحثت وراء الرابحين فسوف تفاجأ بشركات لا تنتمي إلى القياديات أو حتى إلى القطاعات القائدة للسوق، بل ستجد شركات صغيرة وغير قوية مالياً، مثل المتحدة للتأمين والخزف والبحر الأحمر.. أما إذا بحثت وراء أكبر الخاسرين فسوف تفاجأ بشيء آخر، وهو أن ثمانية من أكبر الخاسرين هم من الشركات الجديدة أو المدرجة حديثاً في السوق.. بما يدلل على أن السوق يركز على المضاربات في الشركات الجديدة التي تتضخم ثم تدخل في تصحيح من حين لآخر.. في حين أنه على العكس للشركات القيادية التي تعتبر أكثر وقوعاً تحت ضغوط المسار الهبوطي متوحد الاتجاه.. أي أن الشركات الجديدة تتأرجح بين صعود قوي وهبوط قوي نتيجة مضاربات شديدة تواجهها، في حين أن الأسهم القيادية تسير في شبه مسار أحادي هابط نتيجة ضغوط قوية وثقيلة تضغط لخفض أسعارها، ويعتقد أنه مسار تصحيح مستهدف.

سابك وكيان خسائر الجيلين

خلال عام 2007 ربحت كيان حوالي 160%، في حين ربحت سابك حوالي 89%، هذا الوضع انعكس تماماً خلال عام 2009، حيث خسرت كيان 62.5%، في حين خسرت سابك 74%.. الغريب أنه إذا كانت سابك شركة قديمة بالسوق ويمكن تقبُّل وجود تضخم متراكم في قيمتها من العهد القديم، فإن كيان تعتبر من الشركات الحديثة التي يفترض أنها لم تتضخم؛ لذلك فإن هبوطها الحاد يمثل علامة استفهام حول إما أنها أدرجت بالسوق متضخمة، أو أنه نالها التضخم بعد الإدراج!

دور الأزمة المالية في خسائر السوق!

هبوط المؤشر في عام 2006 كان مبرراً نتيجة صعوده بشكل مبالغ فيه، ولكن سقوط 2008 لا يمتلك تلك المبررات المنطقية؛ فهو هبوط من قاع وليس من قمة.. وتعتبر الأزمة المالية الراهنة أحد أهم المسببات الحقيقية التي دفعت المؤشر إلى الهبوط.. حيث إنها أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى تراجع حاد في أسعار النفط، وبالتالي أثرت سلباً على قطاع البتروكيماويات وعلى رأسها سابك.. وبالتالي فقد السوق مصدر القيادة. إلا أنه ينبغي ألا نغفل أن استجابة السوق لتداعيات الأزمة المالية جاءت مبالغاً فيها، وخاصة أن السوق يعتبر محلي السيولة ولا يوجد به أموال ساخنة، كما أنه يفترض أن تؤدي الأزمة إلى عودة للأموال السعودية المهاجرة إلى الداخل التي يعتقد أن سوق الأسهم سيكون الملجأ الرئيسي لها. إلا أن ذلك لم يحدث، وبدأ السوق يدخل في هبوط تلو آخر رغم أن الاقتصاد المحلي ككل لم يعلن تأثراً سلبياً يمكن الاهتمام به من جراء هذه الأزمة.. أي أننا إذا أردنا أن نرصد تأثيراً سلبياً حقيقياً للأزمة المالية على المملكة ككل، فربما لا نجد حتى الآن سوى سوق الأسهم المحلي.

الأزمة المالية مجرد كاشف لمشكلات عميقة في السوق

أي إنسان عندما يصاب جسمه بالضعف، فإن أي ميكروب مهما كان صغيراً يمكن أن يتسبب له في أمراض كبيرة.. هذا قد ينطبق على سوق الأسهم المحلي؛ حيث إن الأزمة ليست هي ما دفعت المؤشر ليخسر 6236 نقطة خلال عام واحد، وليكون اللون الأحمر هو لون المؤشر.. ولكن الأزمة قد ولدت مخاوف حقيقية حول احتمال أن تقود الأزمة في أي لحظة إلى ظهور مشكلات السوق أو التضخم في قيمه أو مؤشراته المالية.. فلو افترضنا أن هناك قناعة بأن قيمة المؤشر عند 8000 نقطة هي القيمة العادلة للسوق، فإن أي نزول عنها كان يمكن أن يستمر فترة قصيرة ثم لا يلبث أن يعود لقيمته العادلة، وهذا السيناريو يعتبر أكثر خصوصية للسوق السعودي الذي لا يقبل أن يتخلى عن هللة تمثل قيمة عادلة لأي شركة من شركاته.. ولكن استمرار بقاء المؤشر عند مستويات تحت الـ5000 نقطة واستمرار سكوت الصناع عن دفع المؤشر فوقها.. يمكن للمتداولين تفسيره بأن المؤشر لا يزال دون القيمة العادلة له التي يمكن للصناع الدفاع عنها بكل قوة وقناعة.

المؤشر ومخالفة الاقتصاد!

رغم كل ما ذكر عن حديث خسائر المؤشر فإن الاقتصاد الوطني سجّل ملحمة تاريخية بميزانيته القياسية لعام 2008م، وحتى بموازنته التقديرية الاستثنائية لعام 2009م، فلا أسعار النفط أثرت ولا الأزمة المالية دفعته للركود كما هو متوقع.. ولا يزال الاقتصاد إيجابيا يسيطر على كافة الجوانب سواء من زيادة حجم الفوائض المالية لميزانيات الأعوام الستة الأخيرة، أو بزيادة حجم مساهمة الناتج غير النفطي في الناتج الإجمالي، أو باكتمال غالبية مشاريع البنية الأساسية أو بتوقع تفرغ الميزانيات المقبلة للإنفاق على تنويع الموارد الاقتصادية أو بالمدن الاقتصادية الكبرى التي بدأت تنطلق لتكتمل مسيرة التنمية الاقتصادية تلقائياً خلال السنوات المقبلة سواء بإيرادات النفط أو حتى بهبوطها.. رغم كل ذلك، فإن المؤشر لم يستجب للمحفزات المحلية واستجاب لمحفز سلبي خارجي وحيد وهو تراجع أسعار النفط.

عام 2009 هو عام تأسيس لسوق الأسهم

في ضوء توقعات استمرار أو تفاقم الأزمة العالمية خلال الربعين الأول والثاني من عام 2009، يرى المتابعون سياق التراجع مستمراً، ومع استمرار المستويات الحالية لأسعار النفط فإن هذين الربعين المقبلين قد لا تبدو فيهما الصورة إيجابية لسوق الأسهم، إلا أنه يتوقع أن يتمسك المؤشر بمستوى الـ4000 نقطة شرط أن تتمسك سابك بمستوى فوق الـ40 ريالاً. ويتوقع أن تبدأ هذه المستويات في تأسيس قيعان قوية وحقيقية للشركات القيادية يعتبر كل مشتر عندها رابحاً.. شرط أن يكون للاستثمار وليس للمضاربة التي لم يحن أوانها.. وخاصة في ظل وصول الأسعار السوقية لكثير من الشركات إلى المستويات العادلة والآمنة للدخول عندها.. إلا أن المشكلة الحقيقية سوف تصبح لأولئك المتداولين القدامى العالقين من مستويات بعيدة.

* محلل اقتصادي



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد