Al Jazirah NewsPaper Saturday  03/01/2009 G Issue 13246
السبت 06 محرم 1430   العدد  13246
معوقات السعودة في القطاع الخاص
د. أحمد العثيم

 

بالنظر إلى الواقع الاقتصادي الذي تحياه المملكة العربية السعودية نجد أن قضية السعودة هي إحدى القضايا الإستراتيجية الحيوية، التي تتعلق بالأمن الاقتصادي والاجتماعي للمملكة، وهي تمثل جزءاً لا يتجزأ من الدور الذي يلعبه القطاع الخاص في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. خاصة وأن القطاع الخاص هو الشريك الفعال في دعم التنمية، باعتباره ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني وموظف رئيسي للعمالة الوطنية، بالإضافة إلى أن القطاع الخاص لدينا يعد الأقوى اقتصادياً في الشرق الأوسط.

تعد قضية سعودة الوظائف أحد أهم القضايا التي أصبحت تشكل هاجساً كبيراً لكثير من المواطنين لاسيما الشباب. وأيضاً تعتبر من أولى اهتمامات الجهات المسئولة في المملكة العربية السعودية. كما أن ظاهرة توطين الوظائف لها طابع دولي، أي أن بعضاً من الدول تعاني منها أيضاً مثل: ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. وتكمن أهمية توطين الوظائف في أن الفشل أو الإخفاق أو التباطؤ في إيجاد حلول مناسبة لها في الوقت المناسب، قد تؤدي إلى نتائج لا يحمد عقباها مثل تفشي ظاهرة البطالة وتأثيراتها الاقتصادية والنفسية والاجتماعية على أفراد المجتمع.

ويقصد بالسعودة عملية إحلال مواطن سعودي محل مقيم غير سعودي في وظيفة معينة على أن تتوافر في السعودي القدرات والمؤهلات والكفاءة التي يحتاجها العمل نفسه. ويقصد أيضاً بالسعودة (انتهاج أسلوب الإحلال التدريجي للعمالة الوطنية محل العمالة الأجنبية على مدار فترة تتراوح بين 10 و15 سنة يتم خلالها تهيئة مخرجات التعليم والتدريب لتأمين احتياجات المنشآت، مع ضمان عدم الإخلال بمعدلات ومستويات التشغيل بها خلال فترة الإحلال بحيث لا تقل النتائج المحققة عن نتائج ما قبل الإحلال).

ونجد أن الإدارة الإسلامية تدعم موضوع السعودة من منطلق تحقيق مصلحة الجماعة على الفرد، بالإضافة إلى تحقيق مبدأ الشمولية التي تتميز بها هذه الشريعة. إذ إن طاعة الرؤساء وتنفيذ أوامرهم تعد من الحقوق والواجبات حسب التصور الإسلامي لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}.

ونجد أن من أهم الأهداف التي يتوخى من العمالة المواطنة تحقيقها في القطاع الخاص السعودي

1- المساهمة في التنمية الشاملة في البلاد عن طريق إنتاج وتبادل السلع والخدمات وتطويرها.

2- المساهمة في توفير الحياة الكريمة في القطاع الخاص من خلال العمل الحر والكسب الحلال.

3- تحقيق التوازن بين الإنتاجية العالية والمحافظة على معتقدات وقيم المجتمع السعودي ومراعاة مصلحته العامة.

4- تنمية واستغلال موارد المجتمع بكفاءة وفاعلية.

5- المساهمة مع جهود الدولة في صياغة ودعم الأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في البلاد، عن طريق الإحلال المتدرج والمتزن للعمالة المواطنة محل العمالة الوافدة.

وقد بدأت المملكة العربية السعودية منذ عام 1975م محاولات جادة لتطبيق نظام السعودة، وذلك من خلال الخطط الخمسية وبخاصة بعد أن تزايدت ضغوط البطالة وأعداد السعوديين الداخلين لسوق العمل، وقد واجهت تلك الخطط العديد من المشاكل التي تَحُدُّ من نجاحها، ورغم ذلك فإن التغيرات السكانية والاقتصادية التي طرأت على المجتمع السعودي منذ ذلك الوقت أدت إلى خلق ظروف مواتية لنجاح خطط سعودة العمالة وخاصة في القطاع الحكومي للمملكة، وبدأت الأصوات ترتفع مطالبة القطاع الخاص بالاستعانة بالعمالة السعودية بسبب البطالة بين السعوديين وخاصة من خريجي الجامعات، وبدأت الدولة في وضع أهداف محددة في هذا المجال، وتمَّ صياغة آليات تضمن تحقيق هذه الأهداف، وهو ما يعني زيادة فرص نجاح عملية التوطين.

يعد موضوع سعودة الوظائف من الموضوعات الحيوية التي تتطلب تركيز الاهتمام عليها؛ لمواجهة العرض المتزايد في قوة العمل الوطنية نتيجة:

1- النمو السكاني المتزايد

فنجد أن السكان يتركزون في الفئات العمرية الصغيرة؛ مما يؤدي إلى زيادة أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل. الأمر الذي يضاعف من العبء الملقي على كاهل الدولة والقطاع الأهلي، والمتمثل في ضرورة إيجاد فرص وظيفية جديدة أو عمل التدابير اللازمة لإحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة.

2- زيادة عدد خريجي نظم التعليم والتدريب:

إن تزايد أعداد الداخلين إلى سوق العمل يشكل ضغوطاً اقتصادية واجتماعية كبيرة على القطاع الأهلي، وتتجه هذه الضغوط نحو ضرورة تبني سياسات مواتية لتكثيف عمليات إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة وتفعيل القائم منها في القطاع الأهلي، وأن تكون هذه السياسات قائمة على أسس علمية وتسعى لتحقيق الهدف المنشود بأقل الخسائر الممكنة.

3- زيادة أعداد الوافدين:

على الرغم مما قدمته العمالة الوافدة من جهود ملموسة في جميع مجالات التنمية؛ إلا أن مسألة الاعتماد عليها على المدى الطويل، قد لا يكون مجدياً من عدة نواحي. إذ أن تكلفة العمالة الأجنبية لا تتمثل في مصاريف الرواتب والأجور والمبالغ المحولة للخارج فقط، والتي تعني هروب جزء من الاقتصاد السعودي إلى خارج الوطن؛ مما يحرمه من بقاء فوائض التنمية داخل الاقتصاد الوطني،.بل تشتمل أيضاً على تكاليف اقتصادية أخرى حيث يترتب على وجود هذه العمالة عبء على الإنفاق الحكومي يتمثل في تأمين التعليم لأبنائهم وتقديم الخدمات الصحية.

إن مساهمة القطاع الخاص في تطبيق السعودة؛ سيحقق له الاستقرار وضمان الحصول على اليد العاملة من مصادرها المحلية، دون اللجوء إلى المصادر الخارجية. والتي قد تتحكم فيها بعض العوامل السياسية أو الاقتصادية؛ مما يؤثر على استمرار تدفق العمالة الوافدة.

كانت ولا تزال عملية توظيف المواطنين السعوديين، وإيجاد فرص عمل لهم هاجساً وطنياً وقضية مهمة على المستويين الرسمي والشعبي. وعلى ضوء ذلك فقد اتخذت الدولة عدداً من الإجراءات لتوظيف العمالة الوطنية. ومن هذه الإجراءات رفع رسوم الاستقدام، وفرض نسب السعودة على المنشآت الخاصة، وتجميد الأجور أو عدم زيادتها في القطاع الحكومي. وعلى الرغم من ذلك فإن مشكلة البطالة بين المواطنين لا تزال تمثل إحدى القضايا الأساسية للمجتمع.

إن عدد المواطنين السعوديين الذين تم توظيفهم في القطاع الخاص خلال الفترة من 1416هـ وحتى عام 1422هـ يبلغ ( 238.548) مواطناً أي بمعدل (39.758) مواطنا سنوياً تقريباً. أما بالنسبة للعاملين غير السعوديين فيتضح زيادة الذين تم توظيفهم خلال الفترة نفسها، إذ بلغ (494.022) شخصاً أي بمعدل ( 82117) شخصاً سنوياً وهذا يساوي تقريباً ضعف عدد الذين يتم توظيفهم من السعوديين في القطاع الخاص؛ مما يدل على أن عملية توظيف السعوديين في القطاع الخاص، يصاحبها زيادة مضاعفة في عدد غير السعوديين الذين يتم توظيفهم في نفس الفترة.

كما تواجه عمليات السعودة بالقطاع الخاص بعض المعوقات، التي أشير إليها بوضوح في الخطة الخمسية السابعة لتنمية اقتصادية واجتماعية لعام (2000-2004م) وهي:

- الارتفاع النسبي في تكلفة العمالة الوطنية مقارنة بالعمالة الوافدة، حيث تشير نتائج البحوث والدراسات ذات العلاقة إلى ضعف استجابة القطاع الخاص بشأن تنفيذ توجهات السعودة نظراً للارتفاع النسبي في أجور ورواتب العمالة الوطنية.

- استمرار تدفق العمالة الوافدة إلى سوق العمل خلال خطة التنمية السادسة، مما أدى إلى زيادتها بنسبة تقدر بنحو (1.5%) من حجمها في سنة الأساس 1414-1415هـ (1994م). وقد شكلت هذه الزيادة ضغوطاً على الوضع التنافسي للعمالة الوطنية سواء بالنسبة لحصولها على وظائف جديدة أو إحلالها محل العمالة الوافدة. فبالنسبة للمعوقات الخاصة بمنظمات القطاع الخاص:

1- الاعتماد على معايير الربحية التجارية البحتة في المفاضلة بين العنصرين الوطني والوافد، دون الأخذ في الاعتبار لعناصر التكاليف غير المباشرة الأخرى للعمالة الأجنبية وموازنتها مع إنتاجيتها الحدية.

2- مقدرة العمالة غير السعودية على التكيف مع متطلبات القطاع من حيث الأجر والتأهيل والتدريب وظروف العمل الأخرى.

3- عزوف بعض أصحاب العمل عن توظيف العمال السعوديين بدعوى أنهم أقل إنتاجية من العمال الأجانب وأعلى تكلفة في التدريب.

4- تهرب بعض أصحاب الأعمال من الالتزامات الخاصة بخطط توطين الوظائف؛ وذلك بتحديد أجور منخفضة ومتدنية لمن يتم توظيفهم من المواطنين؛ وهو ما يدفعهم إلى الاستقالة لعدم كفاية الأجر لمتطلبات المعيشة.

5- اتسام بعض الوظائف لاسيما الفنية بعدم المرونة وعدم توافر البديل السعودي الكفء القادر على القيام بهذه الوظيفة؛ الأمر الذي قد يدفع الجهة المختصة إلى الاستعانة مرة أخرى بموظف وافد.

وبالنسبة للمعوقات الخاصة بالفرد:

1- عزوف السعوديين عن العمل في بعض الوظائف، وبخاصة الوظائف الفنية والحرفية والخدمية التي كانت قاصرة على العمالة الوافدة.

2- ميل الملتحقين بالتعليم من السعوديين إلى تخصصات معينة، قد لا يحتاج إليها سوق العمل السعودي.

3- تفضيل السعوديين للإقامة والعمل في المناطق الحضرية الرئيسية، وعدم استعدادهم للعمل في مناطق أخرى.

من أجل ضمان نجاح تطبيق نظام السعودة في القطاع الخاص؛ لابد من مراعاة توفير بعض المتطلبات العامة حتى تتهيأ فرص أفضل لتطبيق برامج السعودة وهي:

1- تطوير المناهج والبرامج الدراسية والتدريبية في مؤسسات التعليم والتدريب؛ لتتوافق مع متطلبات سوق العمل، وتوفير آليات متطورة لربط منظومة التعليم والتدريب بقطاعات الأعمال، وإضفاء المرونة والسرعة في عمليات التطوير مع التركيز فيها على الجوانب التطبيقية والمهنية.

2- تطوير آليات عاجلة لإعادة تأهيل وتدريب الخريجين الباحثين عن أعمال، بمشاركة فاعلة من مؤسسات الأعمال. ويكون هذا الجهد مرتبطاً بالتعرف على احتياجات مؤسسات الأعمال والربط بذلك بين التأهيل والتوظيف.

3- تطوير نظم الاستخدام في سوق العمل المحلي، واستحداث آليات وتنظيمات نابعة من القطاع الخاص؛ لمباشرة خدمات توفير المعلومات لطالبي العمل عن الشواغر في الوظائف ومتطلبات شغلها وشروطها. كما تتولى تلك التنظيمات الخاصة عمليات البحث عن العناصر الصالحة حسب احتياجات وطلب المنظمات الباحثة عن عاملين، بالإضافة إلى توجيه الباحثين إلى مركز التدريب وإعادة التأهيل. أي أن تتحول مكاتب استقدام العمالة الأجنبية إلى مكاتب لتوظيف العمالة الوطنية.

4- تخطيط وتنفيذ حملات إعلامية لتطوير وتعديل اتجاهات الشباب السعودي نحو العمل بالقطاع الخاص، إذ إن من المتعارف عليه تفضيل الشباب للعمل الحكومي وذلك طمعاً في الاستقرار الوظيفي وغير ذلك من عوامل الأمان الوظيفي.

وبناء على ذلك فإن هذه التوصيات الآتية نأمل أن يكون لها دور في الارتقاء، بكفاءة وزيادة فاعلية تطبيق نظام السعودة في القطاع الخاص:

1- التأكيد على تبني سياسة التدرج في زيادة نسب مساهمة العمالة الوطنية في القطاع الخاص، وتحديد القطاعات ذات الأولوية في برامج الإحلال التي توفر الأعمال المرغوبة ومستويات الأجور والمزايا الوظيفية المستهدفة، دون الإخلال أو التأثير على مستوى الكفاءة الإنتاجية لتلك القطاعات.

2- الدعوة لوضع السياسات والبرامج الكفيلة بتحقيق إدماج المرأة في الحياة الاقتصادية، وتعزيز وتطوير فرص استفادة المرأة من برامج وفرص التدريب وفتح آفاق العمل المناسب لها؛ لزيادة إسهامها في عجلة التنمية والتطوير بما يتلاءم مع قدراتها وإمكانياتها ويتفق مع العادات والتقاليد.

3- دراسة إمكانية سعودة بعض الوظائف بإحلال المرأة السعودية محل الرجل الأجنبي في المجالات التي تناسبها وتتفق مع طبيعتها.

4- ضرورة إلحاق حديثي التخرج بدورة تدريبية يتم التركيز فيها على السلوك الوظيفي، ومهارة الاتصال، والتعامل مع الآخرين. أو تضمين هذه المهارات على مناهج السنوات الأخيرة من الدراسات الجامعية في كل التخصصات.

5- إن مواجهة هذه القضية جهد جماعي لا تختص به جهة دون أخرى، ولا ينفرد به مسئول عن آخر، الجميع شركاء في هذه القضية، أفراداً وقيادات ومجالس ومؤسسات حكومية وأهلية.

6- توظيف المنابر الدينية والقنوات التربوية والإعلامية؛ لتوعية الجيل الشاب بفضيلة العمل من أجل الكسب الحلال. ويمكن أن يُربط ذلك بمضامين سامية تُستقى من الكتاب والسنة المطهرين، وموروث الآباء والأجداد الذين كانوا يمارسون الاعتماد على الذات بعد الله في البيت والمزرعة والسوق والهجرة.

هاتف: 4736259 - 4784718 فاكس: 4787767


E-mail: asa5533@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد