Al Jazirah NewsPaper Monday  05/01/2009 G Issue 13248
الأثنين 08 محرم 1430   العدد  13248

دفق قلم
مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُون؟!
عبدالرحمن بن صالح العشماوي

 

يقول تعالى في سورة الصافات: {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ قَالُوا بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.

يقرِّب المفسرون معنى هذه الآيات الكريمات فيقولون: إن خزنة النار يسألون أهل النار سؤال توبيخ وتقريع، ما لكم اليوم لا ينصر بعضكم بعضاً، كما كنتم تتناصرون على باطلكم وعصيانكم في الدنيا؟ فيقول الله سبحانه وتعالى: {بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} أي خاضعون كما ذكر ابن عباس، أو منقادون انقياد ذل واستسلام وخضوع كما قال الحسن، والمعنى: هم اليوم في عذاب النار أذلاء منقادون لا حيلة لهم بعد أن كانوا في الدنيا طاغين متجبرين مكابرين، ثم تكتمل الصورة بقوله تعالى:{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} أي أولئك الرؤساء وأتباعهم أقبلوا على بعضهم في النار يتساءلون سؤال خصام وتأنيب وغضب على إهلاك بعضهم بعضاً بالتناصر على باطلهم في الدنيا ومعنى يتساءلون هنا: يتخاصمون، ثم روى لنا القرآن الكريم جانباً من ذلك التخاصم بينهم وهو قول الأتباع لرؤسائهم الذين أضلوهم في الدنيا: {قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} أي: من قِبَل الدِّين حيث كنتم تقولون لنا إنه ضلال وباطل، وهذا تفسير الضحاك لكلمة (اليمين) حيث فسرها بالدِّين، أما مجاهد ففسرها بالصراط المستقيم، واليمين عبارة عن الدِّين والحق كما أخبر الله سبحانه وتعالى عن إبليس في سورة الأعراف أنه قال: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ} فمن أتاه الشيطان من جهة اليمين فقد جاءه من قبل الدِّين فلبَّس عليه الحق.

وقال بعض المفسرين: المعنى أن الرؤساء المكابرين في الدنيا يعملون على تضليل الناس وتلبيس الحقائق عليهم ويحلفون للناس أن الحق هو ما يرون ويقولون، فمعنى قوله: {تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} أي من ناحية الإيمان التي كنتم تحلفونها فوثقنا بها واتبعناكم، وقيل: إن معنى (اليمين) القوة والقدرة فيكون المعنى أن الأتباع يقولون لقد أضللتمونا عن الحق في الدنيا بقوتكم وظلمكم وتسلطكم علينا فكان جزاؤنا أن نكون معكم في النار.

وهنا يتخلى رؤساؤهم المكابرون عن المسؤولية كما تخلى عنها إبليس بعد أن أضل مَن اتبعه، فيقولون لأتباعهم {بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} أي: لم تكونوا أنتم مع الحق أصلاً، وإنما كنتم مستعدين للكفر فاتبعتمونا حينما دعوناكم.

هذه صورة حية من صور يوم القيامة، توضح لنا صورة مقابلة من صور ما يجري من أهل الباطل في الدنيا ومن أتباعهم.

المجلس الأوروبي يقول: إن الهجوم البري الشنيع على غزة الأبيَّة ليس حرباً هجومية، ولكنها حرب دفاعية للدفاع عن النفس.

والرئيس الأمريكي الخارج من ثوب رئاسته يقول: لن نسمح بصدور قرار إدانة أو طلب إيقاف للحرب الظالمة التي يشنها العدو الصهيوني على غزة؛ لأنها حق من حقوق الدولة المعتدية، وبعض أصوات النشاز من أبناء جلدتنا يقول مثل ذلك، ويزيدون عليه ما هو أسوأ منه ألا وهو السخرية بالصامدين المرابطين المجاهدين في غزة.

إنها الصورة القرآنية نفسها صورة التناصر بين أهل الباطل والظلم والعدوان، وستكون نتيجتها - لا محالة - تلك الصورة الأخرى التي رواها لنا القرآن الكريم عن حالة المتناصرين على الباطل في الدنيا حينما يكونون في النار وعذابها المقيم حيث يتخاصمون ويندمون حين لا ينفع الندم.

وبالمقابل تأتي صورة تناصر أهل الحق على حقهم، والتحذير من تخاذلهم، وتقصيرهم في نصرة الحق، فكيف بالتخلي عن نصرة الحق؟ بل وكيف بمحاربة الحق وأهله والسخرية منهم، والإرجاف عليهم؟!

يقول تعالى في سورة الشورى: {وَالَّذِينَ إذا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأمور }.

ولنا أيها الأحبة أن نعرض حالة المرابطين المجاهدين في غزة على معنى هذه الآيات ومعنى قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما ورد في مسند الإمام أحمد: (مَنْ أُذِلَّ عنده مؤمنٌ فلم ينصره، وهو يقدر على نصره أذلَّه الله على رؤوس الأشهاد يوم القيامة).

هنا في مثل هذه الأحداث يظهر مدى علاقة المسلم بالفهم الصحيح لدينه، ومدى صدق إيمانه وولائه لربه، وتوليه للمؤمنين، فمن خسر نفسه وموقفه ومناصرته للمظلومين في غزة في هذه الأحداث فهو على خطر عظيم من عقاب الله له في الدنيا والآخرة، وما زال باب التوبة مفتوحاً.

إشارة:

ألا يا أمتي بُشراك إني

لأبصر نصرَك الآتي حيالي


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد