Al Jazirah NewsPaper Thursday  15/01/2009 G Issue 13258
الخميس 18 محرم 1430   العدد  13258
الحبر الأخضر
(أهل مكة أدرى بشعابها)
أ. د. عثمان بن صالح العامر

 

أعتقد أن هذا الأثر النبوي الرائع قاعدة إدارية هامة، وقد اخترته عنواناً للحديث عن مجالس المناطق والدور المطلوب في ظل المتغيرات التنموية المتسارعة اليوم خصوصاً في دولة مترامية الأطراف كالمملكة العربية السعودية، لقد أجرت جريدة الشرق الأوسط في يوم الاثنين 26-3-1427هـ مع صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبدالمحسن أمير منطقة حائل رئيس الهيئة العليا لتطوير منطقة حائل حواراً نُعت حينها بالجريء.. الشاهد فيه هنا أن صاحب السمو قال بالحرف الواحد: (الحقيقة أن هناك شبه اتفاق من القمة إلى القاعدة بأنه لا بد من إعطاء أمراء المناطق والمجالس بعض الصلاحيات بحيث يكونون أكثر مسئولية تجاه منطقتهم ومشاكلها التي هم أعلم بها...) وقبل أيام قال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر أمير منطقة جازان في مقابلة أجرتها معه جريدة عكاظ: (.. في تصوري أن المنطقة هي الأجدر بتحديد أولوياتها من المشاريع ولا بد من تنسيق المشاريع بين الجهات الخدمية لأن المتضرر من تأخر تنفيذ هذه المشاريع هو المواطن، ما نريده أن يكون لمجلس المنطقة صلاحية واسعة في تنسيق المشاريع ومتابعة تنفيذها، استقلالية الوزارات التي تضع متطلبات وأولويات مشاريعها حسب المناطق تسبب تأخر المشاريع نحن نتفهم الأولويات، فمشروع للصرف الصحي في منطقة ما قد يكون أكثر أهمية من منطقتنا.. مجالس المناطق يجب أن يكون لها رأي ودور، لأن هذه المجالس هي الأدرى بمتطلبات المنطقة وهو ما نريد أن يضطلع به مجلس المنطقة).

إنني أعتقد أن ما ذهب إليه صاحبا السمو ليس وليد لحظة عابرة ولا هو تنظير شخصي مجرد وإنما جاء نتيجة معايشة للواقع التنموي في الميدان، جاء نتيجة معاناة طويلة وخبرة إدارية واسعة ومراس مع مشاريع القطاعات التنموية المختلفة كل في منطقته وعلى مدى سنوات من العمر بذلا فيها -وفقهما الله- كثيراً من الجهد والوقت من أجل تقدم المنطقتين (حائل) و(جازان).. لقد كانت مجالس المناطق في البدايات محل أنظار الجميع، وكان الانتماء لها والانضواء تحت قبتها طموحاً وأملاً يتسابق للوصول إليهما الكل رغبة في الوجاهة الاجتماعية وحرصاً على خدمة منطقتهم القريبة إلى قلوبهم، ومما تحتفظ فيه الذاكرة أن أعضاء مجلس منطقتنا كان لهم زيارات ولقاءات مع عدد من الوزراء ينقلون صوت المواطن ويحركون المشاعر ويعدون ويخططون ويرسمون أمل الغد القادم في كل شبر من خارطة منطقتهم العزيزة، وفي مرحلة تالية كان الوزراء يدعون لحضور جلسة تخصص لمناقشة المشاريع التي تمت ترسيتها ومدارسة الأخرى المتعثرة أو التي لم تحظ بالمباركة والتأييد من قبل المسئولين في الوزارة مع أن المجلس أوصى بها من قبل، وممثل الوزارة في المنطقة جعلها من أولويات هذا العام أو ذاك!!، ومما يُسجل لصاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبدالمحسن - إضافة لما سبق- أنه جعل بعض الجلسات جولة ميدانية على مشاريع القطاعات الخدمية المختلفة (الصحة، أمانة المنطقة، التعليم، كل قطاع على حدة)، ومع ذلك كله فقد خفت - وللأسف الشديد - بريق هذه المجالس وضعفت الثقة بدورها عند كثير من المواطنين، الذين هم حجر الزاوية والمستفيد الأول من مسارات التنمية المختلفة وخطط التطوير المتنوعة في مناطق مملكتنا الواسعة، والسبب في ظني أن المجالس وكما هو النظام (توصي) ولا تملك القرار، وقد يؤخذ بتوصيتها وربما لا يلتفت لها، وحتى يتم الإنجاز ويقل الهدر اقترح في أكثر من منطقة إيجاد مجلس تنسيقي بين الجهات ذات الصلة المباشرة بالمشاريع التنموية الخدمية، ولكن تظهر الأيام عدم إمكانية وجود مثل هذا المجلس لأن كل قطاع يعمل حسب برنامجه الخاص المرتبط بالمرجع، والمجلس فقط للإحاطة مع أنه الأقرب والأكثر دراية بالواقع والأولويات.. إن الأساس الذي تقوم عليه مجالس المناطق (أهل مكة أدرى بشعابها) أساس لا غبار عليه لا عقلاً ولا شرعاً، والتشكيل تشكيل متميز ولكن تبقى نقطة الصلاحيات التي تخول المجالس بتحديد مسار التنمية الذاتي على الوجه الذي يعتقد أنه هو الأمثل والذي يتقاطع ويتفق في إطاره العام مع خارطة التنمية العامة والشاملة في مناطق المملكة المختلفة وللوزارات المعنية والجهات ذات الصلة والمخولة بالمراقبة حق الإشراف والمتابعة حين التنفيذ، ولا يعني هذا التشكيك في النوايا أو عدم الثقة في عدم الدراية بالأولويات ولا حتى التقليل من دور الوزارات الحالي والجهد الذي يبذل من أجل التنمية والبناء في كل شبر من أرض بلادنا المعطاء ولكن في ظل المعطيات الجديدة التي نمر بها ومع كثرة المشاريع التي تحتضنها وزارات الدولة المختلفة نتيجة ما ننعم به من خير وافر ولله الحمد والمنة جراء تصاعد المخصص للمشاريع التنموية الأساسية في ميزانية هذا العام في جميع مناطق المملكة ولوجود مشاريع متعثرة وأخرى ليست لها الأولوية لذا كان هذا الطرح المبني على قول أصحاب السمو الملكي الأمراء الذين يعايشون الواقع صباح مساء، وهي مجرد اختلاف في وجهات النظر يهدف بإيجاز إلى البحث عمّا يحقق المصلحة العامة للمواطنين بأسرع وقت وفي أقل تكلفة وبلا هدر يُذكر، ودمت عزيزاً يا وطني.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد