Al Jazirah NewsPaper Thursday  15/01/2009 G Issue 13258
الخميس 18 محرم 1430   العدد  13258
هذرلوجيا
من يسمع النزف؟!
سليمان الفليح

 

بالأمس كتبت مقالاً (انفعالياً حاداً) فيما يبدو- أو كما بدا لأستاذنا رئيس التحرير الأخ خالد المالك فقرر (رفض) المقال! وحينما استفسرت عن أسباب الرفض قال لي أبو بشار بنبرة حزينة: ليس هذا وقت نقد (رفض الهدنة) وشعبنا هناك في غزة يغرق في بحر من الدم. وبالطبع كان المقال موجهاً لمن كانوا السبب في رأيي بحدوث هذه المأساة، وأردف الأستاذ خالد قائلاً: لعل ما يحدث الآن رغم بشاعته هو الحل الأخير لتحريك العالم نحو القضية الفلسطينية بعد أن فشلت الجيوش العربية ولثلاث حروب متعاقبة أن تحقق ولو (ومضة) من نصر(!!).

وقبل ذلك كنت قد اتصلت بالصديق الرائع عبدالله الناصر وبحماسه النبيل الذي عرف عنه فأجابني وكأنه يخطب خطبة حماسية مشوبة بنبرة الحزن الذريع على ما يحدث، وقال لي: ليس لدينا أمل آخر إلا بهذه الطريقة التي عجزت عن تحقيقها الجيوش.

***

وكذلك قبل أن أتصل بالصديق الناصر كنت في أبوظبي وكنت والصديق الشاعر كريم معتوق نتحدث عن انزواء الشعراء وعزلتهم وفجأة سألته عن أخبار الشاعر الإماراتي الكبير سالم أبوجمهور فضغط كريم على أزرار الهاتف الجوال وقال: كلّمه. ولا تقل له من أنت كمفاجئة له لاسيما أنني لم أره منذ ثلاثين عاماً، وقد لاحظت أن صوت الشاعر فيه ما يشبه الأنين، فقلت لئلا أتعبه أكثر أنا فلان، أين أنت يا سالم؟ فقال لي في المستشفى، فقلت عسى ما شر، فقال لي بل الشر كله، أترى ما يحدث في غزة، ثم أخذ ينتحب على الهاتف وكأنه مصاب بشظية إسرائيلية متخيلاً نفسه في غزة(!!). وفي اليوم التالي هاتفني الصديق الكويتي الكاتب الرائع سليمان الفهد، وكان صوته الأجش يتحشرج كمن خنقه غصة، وقال لي: ما رأيك فيما يحدث في (غزة العزة)؟

فأطلقت في سمعه ضحكة هستيرية لأنني لم أكن أملك غيرها. فقال لي مغاضباً: (أحرّ ما عندي أبرد ما عندك) فقلت له لا لا يا أبا نواف. أضحك بهستيريا لأن جرحي في أعماق الروح وأعماق العقل وأعماق القلب لأنني أنا وأنت وابن جمهور وعبدالله الناصر وخالد المالك لا نملك إلا نزيف الدم فوق الورق، فمن يسمع هدير هذا النزيف العميق.. بل من يراه؟!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد