Al Jazirah NewsPaper Thursday  15/01/2009 G Issue 13258
الخميس 18 محرم 1430   العدد  13258
إضاءات نفسية
اضطراب ما بعد الصدمة
د. محمد بن عبد العزيز اليوسف

 

زاوية تهتم بكل ما يتعلق بالطب النفسي والتنمية البشرية وتطوير الذات.. نستقبل كل أسئلتكم واقتراحاتكم.

Post Traumatic Stress Disorder

ptsd

* الأخ الدكتور محمد اليوسف

أردت أن أسألك عن حالة يمر بها أخي الأصغر وهو متفوق في دراسته وحالياً يدرس في الصف الثالث الثانوي لكنه تعرض لحادث وهو يقود سيارته ومعه بعض زملائه قبل حوالي شهرين والحمد لله على قضاء الله وقدره.

وبسبب هذا الحادث أصيب ببعض الكدمات والرضوض وبقي في المستشفى أكثر من أسبوع لكنه خرج بعد ذلك سليماً ومعافى وكل الفحوصات الطبية كانت بالنسبة له سليمة.

الغريب أنه بعد ذلك أصبح يرفض قيادة السيارة على الإطلاق واعتبرنا نحن ذلك في البداية أنه ربما يحتاج بعض الوقت وهذا أيضاً كان رأي طبيبه الذي أشار لنا بتركه يقرر بنفسه متى يعود لقيادة السيارة.

لكنه استمر في رفضه للعودة لقيادة السيارات مرة أخرى وبدأت ألاحظ عليه كثرة السرحان وعدم التركيز معنا، والنرفزة الزائدة على كل من حوله أحياناً بدون سبب مقنع.

كذلك لاحظت أنه يتجنب الحديث عن زملائه الذين وقع له الحادث معهم رغم أنهم من أعز أصدقائه ولم يعد يرغب في الخروج من البيت إلا معي وبعد إلحاح وإصرار طويل مني.

أخذته في أحد المرات معي في السيارة وتفاجأت به عندما اقتربت من أحد الإشارات يتعلق بي بشدة ويطلب مني تهدئة السرعة وكأن هناك حادث سيقع رغم أن الوضع كان طبيعي جداً!! له الآن أسبوعان يرفض الذهاب للمدرسة ونحن حقيقة في أزمة معه ولا نعرف كيف نساعده، وهل الأفضل أن نتركه يقرر ما يريد بخصوص الدراسة أم نجبره على الذهاب حتى لو لم يرغب علماً أن المدرسين جداً متعاونون ومتعاطفون معه.

وهل يمكن أن يكون حالياً يعاني من حالة عصبية، أقصد هل هذه حالة تحتاج تدخل طبيب نفسي وكيف يمكننا مساعدته؟..

أرجو الرد وجزاك الله خيراً.

* أخي العزيز أحد الاضطرابات النفسية المعروفة عند من يتعرضون لأحداث شديدة الخطورة بحيث يشعرون وقتها بأن حياتهم بالكامل أو سلامتهم الجسدية أصبحت مهددة هو ما يعرف باضطراب ما بعد الصدمة أو PTSD اختصاراً. ويظهر هذا الاضطراب عادة في ثلاثة أطياف رئيسية من الأعراض النفسية وهي:

أولاً: الشعور المستمر بالتوتر والقلق حتى مع عدم وجود ما يدعو إلى ذلك، وكأن المصاب بهذا الاضطراب قد أصبح حبيساً لوضع التحفز والاستعداد الدائم لمواجهة المخاطر في كل وقت حتى في الأوقات التي يفترض به أن يكون فيها في قمة الاسترخاء والراحة بما في ذلك وقت النوم الذي يصبح عادة متقطعاً ومليئاً بالأحلام المزعجة، وهو الأمر الذي لم تشر إليه في رسالتك لكن يمكنك التحقق منه أكثر من خلال الاستفسار منه عن هذا الجانب.

هذا الشد والتوتر الدائم قد يفسر أيضاً عصبيته الزائدة وسرعة ردود فعله الناتجة عن عدم قدرته على الاسترخاء بالشكل الطبيعي وفقده للإحساس الداخلي بالأمان. كذلك فإن التصرف الذي حدث معك في السيارة هو تعبير سلوكي يشير إلى أنه ما يزال عالقاً نفسياً بذلك الحادث رغم أنه تجاوزه جسدياً والحمد لله.

ثانياً: تجنب كل الذكريات الخاصة بالحادث المؤلم وكل ما يمت له بصلة. يظهر ذلك مثلاً في تجنبه لقيادة السيارة مرة أخرى بل وأكثر من ذلك حيث أصبح يتجنب أصدقاءه الذين حصل معهم الحادث مما يشير إلى رغبته في الهروب تماماً من كل الذكريات المتعلقة بما حدث.

ثالثاً: رؤية مشاهد وأجزاء وتفاصيل محددة من الحادث بشكل متكرر ومفاجئ أما في حال اليقظة بشكل موجة مفاجئة من الذكريات الحادة المؤلمة Flashbacks أوأثناء النوم بشكل أحلام متعلقة بالحدث أياً كان نوعه.

في العادة إذا اجتمعت هذه الأطياف الثلاثة من الأعراض النفسية وأدت بالتالي إلى تدهور واضح في قدرة الإنسان على مواصلة حياته بالشكل الطبيعي كما كان قبل التعرض للحادث رغم عدم وجود ما يمكن أن يفسر ذلك من الناحية العضوية كإصابة أحد أجزاء الرأس مثلاً إصابة مؤثرة فإننا عندها نشير طبياً إلى وجود علامات هذا الاضطراب النفسي المعروف باسم PTSD اصطلاحاً. وهو بالتأكيد يحتاج إلى تدخل متخصص سواء عن طريق جلسات العلاج النفسي أو حتى الأدوية الخاصة بعلاج اضطرابات القلق لفترة معينة حسب شدة الأعراض ونوعيتها.

لذلك أخي أرى أنه بحاجة لتقييم طبي متكامل في أحد المستشفيات للتأكد أولاً من أنه لا يعاني من إصابة مؤثرة في أحد مناطق الرأس خصوصاً الجبهة حيث الفصوص الأمامية للمخ وهي المسئولة عن تحديد الكثير من جوانب السلوك عند الإنسان وأحياناً فإن إصابتها لا تكون ظاهرة ومع ذلك فإنها تؤدي إلى تغير واضح في السلوك والشخصية، وهو الأمر الذي يحتاج إلى إجراء فحص كامل عن طريق أحد أطباء الأعصاب والعمل بعد ذلك جنباً إلى جنب إذا استدعى الأمر مع الطبيب النفسي الذي يلزمه التأكد من عدم وجود إصابات عضوية غير مكتشفة.

وبالإضافة للخدمة الطبية الاعتيادية فإن التقارير الطبية سواء العضوية أو النفسية من المفترض أن تلعب دوراً مساعداً في حال احتياجه لها خصوصاً وهو يمر بسنة دراسية مهمة ولا يكفي الاعتماد فقط على اجتهاد المعلمين معه.

حماه الله وإياك من كل سوء.

إضاءة

عندما يبدو أن كل شيء يعاندك ويعمل ضدك، تذكر أن الطائرة تقلع عكس اتجاه الريح لا معه.

* دكتوراه في الطب النفسي
كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي- الرياض


e-mail : mohd829@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد