Al Jazirah NewsPaper Thursday  15/01/2009 G Issue 13258
الخميس 18 محرم 1430   العدد  13258
نوافذ
العمود
أميمة الخميس

 

عندما اختارت مدينة الرياض أن تصبح مدينة ذكية فهي اختارت أن تقفز فوق حصار البيروقراطية، وتتجاوز الدهاليز والممرات التي تطوق العمل الإداري في مدينة حديثة، ولكن رياضنا الذكية قد تعاني أحيانا من صعوبات في السمع.

ففي الشارع الذي يقع عليه بيتي هناك عمود كهرباء آيل للسقوط، ولضخامة العمود وخشية أن يسقط على المارة أو السيارات، ومحاولة أن أقدم نموذجاً إيجابياً للمواطن الصالح المنتمي إلى المكان أمام أبنائي حاولت أن أتصل بالجهات المختصة، ومن هنا ابتدأت الحكاية، التي تشبه سبحونة طويلة لم تحصل على نهاية إلى الآن.

في البداية لم أعرف الجهة التي أتصل بها، فاتصلت بطوارئ الكهرباء، فقالوا لي: (ما علينا منهم اتصلي بالبلدية)، ولأنني لأعرف رقما للبلدية، فقد ذكرت أن البلدية قد أشركتني مشكورة بحملة (عين النظافة) عبر بطاقة أرسلتها لبريدي، اتصلت بالرقم الذي على البطاقة، قالوا لي:(ما علينا منهم اتصلي بـ940)، واتصلت أول مرة: وقدمتُ بلاغاً, وسألوني عن رقم العمود فقلت: لا أعلم، لكن أعطيتهم اسم الحي ورقم الشارع، وهاتفي واسم المبلغة الذي يعلو هذا المقال، ولم تظهر استجابة! وخشية أن تصيب أبنائي حالة اللامبالاة العامة تجاه الممتلكات العامة التي يعاني منها الجميع، أعدت الاتصال للمرة الثانية، وأعدت البلاغ بعد أن فتشت عن رقم للعمود، واكتشفت أن جميع أعمدة الكهرباء في شارعنا بلا أرقام، لكنني أعطيتهم العنوان واضحاً ورجوتهم أن يتحركوا، بعد يومين أتاني اتصال من وافد عربي قال لي: (أنا من صيانة البلدية، فين العمود اللي بتقولي عليه؟)، فرجوته أن يخبرني مكانه لأبعث السائق ليحضره إلى المكان، لكنه أصر على أن يأخذ هو الوصف بنفسه، ولكن وصفي الذي أمضيت فيه نصف ساعة لم يحضره إلى موقع العمود، وبقي العمود يزداد ميلاً يوماً إثر الآخر كبرج بيزا، والخطر حوله يتصاعد.

واتصلت للمرة الثالثة بنفس نضالي الذي لم ييأس، ولكن هذه المرة تركت اسم زوجي ورقم جواله، فقد خشيت أنهم لا يستجيبون لبلاغات النساء على اعتبار أن الحريم في المجتمع الذكوري يفسرن بأن (بربرتهم واجدة)، لكنني حنقت على متلقي البلاغ وهددته بأنني سأوصل الأمر للصحافة، فرد: (أنا ما علي، أنا أرسل البلاغ فقط). ولم يحدث شيء، وبقي العمود راكعاً بركعه لم يستقم منها.

واتصلت للمرة الرابعة برقم 940 وقلت: هل يصلح أن أعطيكم رقم عمود في الشارع المجاور؟ فقال لي بجفاء وقسوة: (لاء)، وأغلق الهاتف، عندها اقترح ابني أن نرسل لهم إحداثية الشارع عبر الإيميل، ولكن بدا هذا الاقتراح مفرطاً في طموحه، أمام صيانة عاجزة عن التحرك إلا برقم والعمود ليس عليه رقم.. والمفتاح عند النجار.. وهكذا.... ألم أقل لكم إنها سبحونة طويلة بلا نهاية؟

ولم أتوقف، أعدت بعد أيام الاتصال للمرة الخامسة، وتلقي السنترال البلاغ، وسألني السؤال المعهود، قلت له مع الأسف ليس للعمود رقم، لكن تفضل العنوان بالتفصيل: حي الواحة شارع كذا بجوار كذا وأمام كذا وخلف.. أي جميع التفاصيل..... قال (حاضر يا خالة أبشري)، وسألني عن اسم المبلغ فقلت هذه المرة: بما أنني أصبحت خالته.. فاسمي هو أم فلان.. لكن ما زال العمود يهوي يوماً إثر الآخر، وضخامته تمنعنا وأهل الحي من الاستعانة بعامل محلي لإصلاحه.

أنا أعلم أن للرياض أميناً نشطاً ذكياً يحاول أن يصنع منها عاصمة ذهبية، وأعلم أن مجهوداته يشهد له بها الجميع، لكن أيضاً أعلم أن الطاقم الذي يعمل معنا كثيراً ما يخذلنا وينقلنا من عصر المدن الذكية إلى عصر الحمام الزاجل.أنا أعلم أنه بعد كتابة هذا المقال سيُصلح العمود (هذا إذا نُشر ولم يقع على رؤوس المارة)، ولكن هل ردود فعلنا باتت فقط اتقاء للسان الصحافة وأضوائها الكاشفة؟ وهل استجابتنا دوماً ردة فعل وليست... مبادرة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد