سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة الأستاذ خالد المالك سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
لقد سعدت بما كتب الكاتب سلمان محمد العُمري في صفحة آفاق إسلامية، وزاويته رياض الفكر؛ ففيها من معين الأفكار التي لا تنضب، فكان موضوعاً نابعاً من الإحساس بوجود مشكلة جديرة بالبحث والتحري؛ لذا توقفت كثيراً عند مقال كتبه في زاويته بتاريخ 28-12- 1429هـ يوم الجمعة، وكان عنوانه (معاناة المرأة المطلقة).
قد تهون الحياة، ونفتقد لذتها وقيمتها حين يفتقد البعض صفات الإنسانية ويرهق عقله والآخرين بعقليته الانتقامية، وهوان الإنسانية لديه.
الطلاق تلك الكلمة التي تعصف بربع سيدات المجتمع، وبكل ما تحمل من مرارة وقسوة إلا أنها لا يشعر بمرارتها إلا المرأة ولا أقسى منها، إلا عندما يسرق منها أجمل أمل، هي أمومتها، تُحرم من أبنائها، وأمام هذا لا نجد إلا الصمت المطبق أمام قضية (الطلاق)، إلا بعض الأطروحات والآراء الصحفية التي يطرحها بعض مثقفينا.
نحن لا نختلف كثيراً حول الطلاق؛ فهو موجود في كل المجتمعات وأغلب العصور والأزمنة، وربما يكون حلاً في بعض حالاته.
تطرق الكاتب إلى بعض أسباب الطلاق؛ فقد يكون لخلل في نسق التفكير أو عدم استيعاب الحقوق والواجبات أو التباين في المرجعية الثقافية أو عدم فَهْم الثقافة الاجتماعية.. والأسباب كثيرة والطلاق واحد.
إلا أننا للأسف أمام هذا التهاون نتجاهل المنهج والسياق القرآني بقوله تعالى: (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) (سورة البقرة 229).
وقوله تعالى: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) (سورة البقرة 241).
والشواهد كثيرة في المنهج الرباني لمن يفقهه.. ويتدبره.
الطلاق يا سادة لا نختلف عليه بقدر ما نختلف على تداعيات الطلاق وما يحدث بعد الطلاق، للمرأة والطفولة أبناء المستقبل!!
فهناك النظرة السوداوية والحماقات والمكابرة والعنجهية والممارسات التعسفية التي يمارسها بعض الآباء على الأمهات بعد الطلاق وحرمانهن من أطفالهن، فيضع الأبناء حجر زاوية وأداة ضغط نكاية بالأم (المكلومة) فلا رادع له.
بعد الطلاق لا يبقى في ذاكرة المرأة المطلقة إلا صورة باهتة في أعماق الذاكرة، إنما هاجس الأبناء والأطفال يظل يؤرق كل أم، في كثير من الحالات الأم لا تريد إلا أن تخرج بأبنائها إلى بر الأمان، وبعض الآباء يتعامل بعقلية انفعالية سطحية انتقامية ويمارس كل الحماقات والضغوط على الأم فيحرمها من فلذات كبدها. قرار الطلاق بيد الرجل، ومع كل هذا يأتي ويمارس كل الظلم والذل ضد الزوجة الأم.
حتى وصل بأحد الآباء أن يبعث بخطاب إلى مدارس أبنائه الخاصة، ينص على منع الأم من رؤية أبنائها حتى في مدارسهم، علماً بأن الأولاد وأبيهم بمنطقة والأم بمنطقة أخرى، حينها لمن الشكوى، للأب أم الأخ، للبعيد أم القريب؟!
إن من يلجأ إلى هذه الحماقات هم من أسفل السلم الاجتماعي.
الطلاق حين يكون هناك أطفال هو اعتداء بحق الطفولة بشفافيتها وأبعادها وإيحاءاتها.
الطلاق هو يُتْم للطفولة البريئة، لا ذنب لهم، إنما هم ضحية لما فعله الكبار فنأى بأبناء المستقبل عن موانئ الفرح والدفء والحنان.. الطلاق هو حرمان عاطفي للطفولة عبر الزمن القادم.
حتى المرأة ربما قد تنجو من تداعيات الطلاق بذكائها ووعيها فتحول المحنة منحة، ففي حياتها هامش عريض من خلاله تستطيع أن تخرج منه بآفاق أوسع وبانتصارات أقوى وتحقق النجاح بكل وعي، فلا تتوارى خلف الأحزان وأوجاع القلب والأنين.
إلا أننا نتساءل: أين هي المحاكم وهيئة حقوق الإنسان من هذا؟ أين هي من حقوق المرأة والطفل المدنية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية وحتى الثقافية؟ لا بد من وضع استراتيجية لحفظ الحقوق.
بعد هذه الأطروحات الصحفية من الكتّاب والمثقفين وآرائهم نأمل أن نصل إلى غربلة الأفكار بالتوصل إلى حل جذري يقلل من نسب الطلاق، والحل الآخر والأهم لما بعد الطلاق من مصير الأم والأبناء.
المرأة منا تبحث عن جهة تنصفها، فتستشرف المستقبل بغدٍ متفائل، وإرادة شامخة.
حميدة الخالدي – الجوف