Al Jazirah NewsPaper Monday  26/01/2009 G Issue 13269
الأثنين 29 محرم 1430   العدد  13269
وللجائزة موعد هذا المساء
د.عبدالله الصالح العثيمين

 

منزلة العلم والعلماء في الإسلام منزلة رفيعة أكدتها نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة، وأوضحتها مواقف عظيمة لقادة من أمتنا؛ سلفاً وخلفاً، عرباً وغير عرب. وقد تختلف مظاهر التقدير للعلم والعلماء من جيل إلى جيل ومن مجتمع إلى آخر، لكن جوهر

المضمون واحد؛ وهو الأهم.

ولقد وفق الله أبناء الملك فيصل -رحمه الله- وبناته، فجاء إنشاء مؤسسة الملك فيصل الخيرية انطلاقة رائدة في ميدان العمل الخيري النيِّر. وقد رأت هذه المؤسسة العملاقة أن يكون أحد جوانب عطائها الخيِّر إنشاء جائزة عالمية تحمل اسم ذلك الملك الذي حذق السياسة حنكة، والذي:

لم تثنِهِ الأحداث عن تصميمه

يوماً ولم يألف عسى أو ربما

وتمنح هذه الجائزة سنوياً تقديراً للجهود الرائدة النافعة للبشرية؛ دعوة طيبة وفكراً نيراً أو ممارسة بناءة. وفروعها خمسة: خدمة الإسلام، والدراسات الإسلامية، والأدب العربي واللغة، والطب والعلوم.

ولقد مضى على بداية منح الجائزة ثلاثون عاماً، وفاز بها حتى الآن مئة وخمسة وتسعون من تسع وثلاثين دولة. ولعلَّ مما تنبغي الإشارة إليه أن للمرأة دورها في مسيرة هذه الجائزة؛ محكَّمة ومشاركة في لجان الاختيار العلمية وفائزة. وقد فازت بها حتى الآن ثماني نساء: أربع في ميدان الأدب العربي، وثلاث في الطب، وواحدة في الدراسات الإسلامية. وفي هذا المساء ستعلن - إن شاء الله - أسماء الذين فازوا بها هذا العام؛ كوكبةً يُعتز بها كلَّ الاعتزاز منضمةً إلى المسيرة الموفقة بحمد الله.

والتحدُّث بنعمة الله مأمور به في محكم التنزيل، والشكر على النعم من واجبات الدين. فالحمد لله والشكر له على أن أصبحت جائزة الملك فيصل العالمية واحدة من أعظم الجوائز رفعة في العالم مع أنها ما تزال فتية مقارنة بتلك الجوائز. بل إنها برهنت على أنها في الطليعة ريادة في تقدير النابغين من العلماء، الذين فتحوا للبشرية - بما توصلوا إليه من معرفة دقيقة - أبواباً واسعة لتحقيق ما تصبو إليه من رقي وتقدم، وبخاصة في ميداني العلوم البحثية والتطبيقية. ولعلَّ من أدلة ريادة جائزة الملك فيصل العالمية في تقدير أولئك العلماء النابغين أن ثلاثة عشر ممن فازوا بها نالوا - فيما بعد - جائزة نوبل على الإنجازات الرائدة نفسها، التي سبق أن حصلوا بها على جائزة الملك فيصل، إضافة إلى البروفيسور فرانك ويلتشك، الذي جاء فوزه بهذه الجائزة متزامناً في عام واحد مع فوزه بجائزة نوبل.

وفي العام الماضي مُنحت جائزة نوبل في الطب للبروفيسورة باري سنوسي، العربية الأصل الفرنسية الجنسية، وزميلها البروفيسور مونتانييه، الفرنسية الجنسية، وذلك لبحوثهما الرائدة في مرض الإيدز ومكافحته. وكانا قد نالا جائزة الملك فيصل عام 1993م على إنجازهما نفسه، الذي منحا من أجله جائزة نوبل. وفي العام الماضي، أيضاً فاز العالم العربي، البروفيسور مصطفى عمرو السيد، بالميدالية الوطنية للعلوم في أمريكا، وهي الميدالية التي تكنَّى بجائزة نوبل الأمريكية؛ إذ هي أرفع تقدير علمي في تلك الدولة يمنحها الرئيس الأمريكي في حفل مهيب في البيت الأبيض. وكان البروفيسور مصطفى قد نال جائزة الملك فيصل العالمية في العلوم (الكيمياء) عام 1990م. فمن هو هذا العالم الجليل؟

ولد هذا الرائد من رواد المعرفة في مصر قبل سبعين عاماً. وتخرج من كلية العلوم في جامعة عين شمس بالقاهرة عام 1953م. ثم حصل على الدكتوراه من جامعة ولاية فلوريدا. وبعد ذلك واصل دراساته وبحوثه في ثلاث من أرفع الجامعات الأمريكية منزلة هي جامعة هارفرد وجامعة ييل ومعهد كاليفورنيا التقني. وهو حالياً أستاذ كرسي جولياس براون في الكيمياء والكيمياء الحيوية في جامعة جورجيا ورئيس مختبر دينامية الليزر فيها. وقد حقَّق وفريقه العلمي إنجازات علمية باهرة في مجالات مهمَّة في الفيزياء وكيمياء المواد، وقام باستخدام تقانات ليزرية مبتكرة فائقة السرعة في بحوثه المتعلِّقة بالتنظير الطيفي، ووضع لها قانوناً شهيراً في كتب الكيمياء، هو (قانون السيد)، كما درس تحوُّلات الطاقة في مختلف المواد والأنظمة الحيوية، واستخدام التقانات التي ابتدعها لدراسة خواص المواد والأجسام على مستوى النانو. وقد طُبِّقت إنجازاته الفريدة للتصوير الدقيق للخلايا السرطانية ودراستها بعمق ودقة بوساطة رقائق الذهب متناهية الصغر، واستخدامها للالتصاق بتلك الخلايا، ومن ثم إطلاق طاقة تكفي لتدميرها.

ولقد ورد في حيثيات منح البروفيسور مصطفى السيد الميدالية الوطنية للعلوم (إنها منحت له تقديراً لإنجازاته المبتكرة، التي أعانت على فهم الخواص الإلكترونية والضوئية لمواد النانو وتطبيقاتها في الكيمياء وفي طب النانو، إضافة إلى جهوده في مجال التبادل العلمي مع الدول الأخرى، ودوره في إعداد قيادات المستقبل في المجتمع العلمي).

ولعلَّ من المناسب اختتام هذه المقالة المختصرة بحمد الله وشكره على توفيقه أبناء الملك فيصل - رحمه الله- وبناته بأن جعلوا من فروع نشاط مؤسسته الخيرية جائزة تحمل اسمه وتكون من بين المآثر التي تخلِّد ذكراه. والأمانة العامة للجائزة؛ إذ تقدم أجزل الشكر لما قام به هؤلاء البررة من عمل جليل، فإنها تزجي آيات العرفان لكل من تعاون معها؛ ترشيحاً وتحكيماً ومشاركة في عضوية لجان الاختيار. وفَّق الله العاملين والعاملات في سبيل خير الإسلام والمسلمين، وتقدُّم الإنسانية ومنفعتها في كل جانب من جوانب الحياة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد