Al Jazirah NewsPaper Monday  26/01/2009 G Issue 13269
الأثنين 29 محرم 1430   العدد  13269
ربيع الكلمة
يعرس اثنان وينهبل ألفان!!
لبنى بنت عصام بن عبدالله الخميس

 

تأتيك بطاقة دعوة لزواج فلانة على فلان من حيث لا تدري!

فجأة تجد البطاقة في صالة منزلك - المكرم فلان أو المكرمة فلانة - ينتابك شعور مزعج ويتجهم وجهك وتتذكر الترتيبات والتجهيزات التي يجب أن تقوم بها!.

(النساء) ستعرف قصدي وعن أي شعور أتحدث.

شعور بالالتزام المطلق في يوم الزفاف المنتظر.. تعطيل لكل مشاريعك واستعداد نفسي عال يجب أن تتحلى به لحضور هذا الزواج.

تحضيرات تبدأ من ساعات مبكرة من اليوم وتكاليف عالية قد تصل إلى الآلاف.. حالة من الانتظار والترقب للزواج خاصة أن الإشاعات أصبحت تتزامن مع الإعلان عن الزواج!.

ستغني المطربة الفلانية.. وسوف تزف العروس بطريقة غريبة.. إلخ

لا أعرف حقيقة ما هو مصدر تلك الإشاعات وما هو الهدف من ورائها؟!

ولكن كل ما أعرفه أننا نواجه ظاهرة اجتماعية صعبة..

لا أحد يستفيد منها سوى الضاحكين على السذج والمستفيدين من ركوبهم الموجة وتقليدهم لتقليعات بعض أفراد المجتمع.

كانت الأعراس سابقاً يوماً منتظراً يفرح به الصغير قبل الكبير, لقاءً عائلياً متواضعاً وحضوراً جميلاً وغير متكلف.

احتفال راق بطبيعته وبفكرته.. يبدأ من بعد صلاة العشاء وينتهي مع منتصف الليل ليعود كل شخص إلى بيته لينام هادئاً مع عائلته.

وكما يحدثني والدي عن برنامج الحفل في نجد ومراحله البسيطة العفوية الحافلة في الثمانينات والتسعينات الهجرية التي تتمثل في اجتماع المعازيم في بيت كبير الأسرة ليقدم لهم واجبات الضيافة البسيطة من القهوة والشاي.. ثم ينادي المنادي لتتحرك النساء من بيت الاجتماع, ليذهبن في موكب بهيج تعلوه بعض الصيحات السعيدة لبيت العروس؛ ليكون في استقبالهن أهل العروس، وبعد ذلك يتحرك موكب الرجال يتقدمهم العريس بسيارته للذهاب إلى بيت العروس, ويؤدون صلاة العشاء جماعة في أحد المساجد القريبة؛ لينطلقوا إلى موقع الحفل فيستقبلهم أهل العروس بالترحاب وما طاب من العود والدخون, وبعد ذلك يأتي أب العروس ليصطحب العريس ويدلف معه إلى صالة (الحريم) ويتزامن الدخول مع قرع الدفوف وإطلاق الجملة الشهيرة بصوت واحد (ألف الصلاة والسلام عليك يا حبيب الله محمد).

وبالمناسبة يذكر أن من أهم فرق الطرب في ذلك الحين (فرقة حجيبة) و(فرقة سرحانة) التي كانت الأشهر والأفضل.

أما الرجال فيقضون أوقاتهم بممارسة بعض الفنون الشعبية مثل (السامري) و(العرضة).

أما في اليوم التالي فيستضيف أهل العريس أهل العروس فيما يسمى ب(التحاول)، والجدير بالذكر أنه يطلق على موكب الرجال والنساء اسم (المسايير).

ولكن شتان ما بين الثرى والثريا، وكم هو الفرق كبير بين اليوم والأمس!.

احتفالات اليوم هي أقرب شيء للترف المؤلم والعجز الواضح عن التعبير عن النفس, إسراف مع مرتبة الشرف.. وكتل من التكلف الاجتماعي المذموم وكيلوات من مساحيق التجميل التي تكلف الآلاف التي تشفطها اللبنانيات والمغربيات والفلبينيات وغيرهن.. بامتنان ظاهر وسخرية باطنة على ريالاتنا التي لم نعد نشعر بقيمتها.

منذ لحظة دخولك للقاعة المقام فيها الزواج ستجد أنك أمام فقاعة اجتماعية تكبر مع زيادة جهلنا وغينا.

أتعجب من الإفراط الواضح في كل شيء.. أطنان من المعجنات والحلويات والورود، وكأن المعازيم قطيع من الحيوانات وليس من بني آدم.

المضحك المبكي أن بعض أفراد المجتمع من أصحاب الدخل المحدود يجارون هذه الظاهرة ويلهثون للحاق وراء الركب.

فتجد المواطن البسيط الذي لا يتجاوز راتبه بضعة آلاف يضغط على نفسه ليقيم زواجاً كبيراً ومتكلفاً لإحدى بناته؛ لكي يرضي ويشبع جانباً مزعزعاً ومتخلخلاً في نفسه.

في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول المتقدمة يقام الزواج في ساعات النهار الأولى وينتهي مع مغيب الشمس.. احتفال رمزي وبسيط، ولكن الاحتفالات في السعودية العكس تماماً.

ليتنا نقلدهم في إيجابياتهم كما في سلبياتهم..

ليتنا ندرك أننا على خطأ وأن ما نقوم به هو أبعد شيء عن أخلاقيات الإسلام وقيمه السمحة.. فهل ندرك أننا نتكلف ونسرف وننافق ونكذب على أنفسنا وعلى المجتمع.

وبعد كل هذا المجهود النفسي والمادي الذي بذله مَنْ أقام الزواج للأسف أنه لم يُرضِ نفسه ولا المجتمع ولا الله عز وجل.

ولن يجد كلمة شكر من المعازيم، وأنا لا أعمم.

كانت هذه قراءة بسيطة وعامة للأعراس، وسوف أشبعك بالتفاصيل في المقال القادم.. سوف أشغل نفسي هذا الأسبوع بالبحث خلف الكواليس وجمع حسابات ستصعق منها! لنا لقاء شيق الأسبوع القادم.

قال تعالى : (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد