Al Jazirah NewsPaper Monday  26/01/2009 G Issue 13269
الأثنين 29 محرم 1430   العدد  13269
دفق قلم
الإعلام ومسؤولية المرحلة
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

قال لي صاحبي: أما رأيت بعض شاشات التلفاز العربي كيف تعاملت مع أزمة غزة بأسلوب التجاهل وعدم الاهتمام، وكأن شيئاً لم يحدث لبلد عربي مسلم أمام سمع الإنسان العربي وبصره؟، لقد أصابني من الضيق ما الله به عليم لما رأيت من ذلك الموقف المتخاذل المتعامي عن المأساة، فقد كنت أتنقل بين الشاشات أتابع الأخبار أثناء الهجمة المتوحشة على غزة، فأفاجأ بشاشات عربية تعرض أفلاماً غير لائقة، أو إعلانات تجارية تعرض أجساد النساء بإغراء، أو برامج توحي إلى المشاهد المسلم المجروح بأنها تتعمد مضايقته وطعنه في الصميم؟

قلت لصاحبي: لقد كان لديك ما يغني عن تلك الشاشات التي خدمت الحدث، ووقفت نفسها عليه وما تزال تفعل ذلك إلى الآن، فما الذي دعاك إلى مضايقة نفسك بتلك الشاشات الفارقة في سبات غفلة القائمين عليها؟ ولماذا تنصرف إليها ما دمت مدركاً لحقيقتها، وأسلوب أدائها؟

قال لي: لقد آلمني أن أرى من شاشات يملكها رجال مسلمون ويديرها من تربطه بأهل غزة وشائج الدين والتاريخ، واللغة، والتواصل الاجتماعي، وما آلمني أمر تلك الشاشات إلا لأنها تحمل أسماء بلاد عربية وإسلامية، وتبث من بلاد عربية وإسلامية فهي - في نظري - معنية قبل غيرها بما جرى في غزة من أحداث يندى لها جبين الإنسانية.

قلت له: أعرف ما ترمي إليه، وأدرك مدى الخطأ الكبير الذي وقعت فيه تلك الشاشات والقائمون عليها، ولكنني أرى عدم الانشغال بها إلا إذا كان من باب النصيحة والتوجيه، وما دامت سلكت ذلك الطريق الذي أشرت إليه فهي لا تعنيك ولا تعنيني ولا تعني تلك المرأة الثكلى في غزة، وذلك الطفل المذعور، وتلك المساجد المهدمة، وذلك الدمار الشامل، إنها شاشات مصابة بغيبوبة لا ترى معها أبعد من أرنبة أنف بثها القاصر المتخاذل.

كان هذا - أيها الأحبة - هو الحديث الذي جرى بيني وبين صاحبي ولكنني بعد أن ودعني وانصرف لم أستطع التخلص من التفكير العميق فيما قال لي، فقد قال حقاً، وأشار إلى مشكلة كبيرة تتعلق بكثير من وسائل إعلامنا العربي والإسلامي.

الإعلام وسيلة من وسائل بث الوعي، ونشر الخير، ونقل الأخبار بدقة تحمي ذهن المشاهد من التذبذب والشتات، والإعلام الإسلامي جديرٌ بأن يقوم بهذه الرسالة العظيمة خير قيام، وأن يكون قدوة لوسائل إعلام الآخرين من حيث الصدق والصراحة والوضوح، وجودة الأداء، وأن يدعم الحق والعدل والخير في وجه الباطل والظلم والشر فإذا فرط في ذلك فقد أفقد الأمة سلاحاً من أهم أسلحة الفضيلة والصدق والعطاء الإعلامي النزيه، وشطح شطحات تسيء إلى نفسه، وإلى الجهة التي يمثلها، والدولة التي يصدر منها، والمشاهدين الذين ينتظرون المعلومة الصحيحة، والخبر الصادق، والتفاعل الجيد مع الأحداث الظاهرة المضيئة التي لا غبار عليها، كما هو الشأن في حدث العدوان الوحشي على مدينة غزة وأهلها، وعمرانها ودينها وأمنها.

الإعلام مسؤولية، وإذا لم يواكب المراحل المهمة في حياة الأمة فإنه يكون قد قصر في أداء وظيفته، وفرط في مسؤوليته وتخلى عن القيام بدوره الإيجابي الكبير.

إنها رسالة إلى كل وسيلة إعلامية في عالمنا الإسلامي لعل القائمين عليها يستشعرون عظمة الدور المناط بها.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد