Al Jazirah NewsPaper Monday  26/01/2009 G Issue 13269
الأثنين 29 محرم 1430   العدد  13269
مستعجل
نحن أمام مشكلة اسمها (النصر)
عبدالرحمن بن سعد السماري

 

ما حدث في غزة.. كان أمراً موجعاً بالفعل. عايشنا أياماً عصيبة؛ فيها يقتل أهلنا في غزة من خلال اعتداء آثم أدانه العالم كله؛ لأنه - بالفعل- جريمة بكل المقاييس.

** وإسرائيل.. هذا الكيان الغاصب.. لا يتوقع منه إلا كل هذه الجرائم.. فتاريخ هذا الكيان الشيطاني.. كله مليء بصفحات سوداء قاتمة.. قوامها القتل والدمار والمؤامرات.

** أهلنا في غزة.. واجهوا هذا العدوان وبالفعل.. صمدوا.. وليس أمامهم سوى الصمود.. قدموا شهداء.. وصبروا وصابروا ورابطوا.. وتركوا حصيلة قاسية من الأرقام يندى لها الجبين نحو(1400) شهيد.. وفوق خمسة آلاف جريح.. هذا.. غير المشردين وغير المباني والمنشآت التي سويت بالأرض.

** هذه ليست مشكلة؛ فالخير والشر والحق والباطل في صراع إلى يوم القيامة.. وإن كنا نتوقع.. أن هذه آخر ممارسات إسرائيل فنحن مخطئون.. هذه حلقة متصلة من الممارسات الإسرائيلية المجنونة.. والتي تحاول حرق الأخضر واليابس وقتل كل من يقف أمامها.

** نحن كلنا وقفنا مع أهلنا هناك وقفنا معهم بكل ما نملك.. وأقوى سلاح نملكه.. وهو سلاح قوي وفاعل.. هو سلاح الدعاء.. دعونا لهم من كل أعماقنا.

** شاهدنا ما تنقله محطات التلفاز.. ولا نملك.. إلا الدعاء والبكاء، ونجزم أن أهلنا هناك ضربوا ضرباً موجعاً.. وأنهم كانوا مستهدفين منذ مدة.. وكنا نتوقع هذا العدوان الآثم في أي لحظة.

** غير أن من يتابع الأخبار والتقارير والتصريحات بعد انتهاء هذه المحنة التي أرقت كل مسلم.. يكتشف أن هناك من يحاول استثمارها وتوظيفها على حساب جثث الشهداء -رحمهم الله- وعلى حساب هذه القضية، وعلى حساب هؤلاء الذين ذبحوا وضربوا ودمرت منازلهم وممتلكاتهم.. وتحول كل شيء إلى تراب.

** هناك من يتغنّى بالنصر.. بل هناك من يوزع النصر على الآخرين.. فقد قرأت وسمعت تصريحاً لمسئول ينتسب لحماس يقول: نهدي هذا النصر إلى الدولة الفلانية ويقول آخر.. إن هذه الدولة (وسماها) شريكة لنا في هذا الانتصار الكبير، وكل هؤلاء.. من منتسبي حماس (خارج غزة!!).

** أهل غزة.. الصادقون الصابرون المجاهدون.. دفعوا الثمن.. واجهوا بكل شجاعة..وقدموا كل ما يملكون من أجل معركة اضطروا لها اضطراراً.. وبصرف النظر عن المتسبب أو من جرهم لهذه المواجهة غير المتكافئة.

** إلا أنه ينبغي ألا يتحدث عنها إلا الموجودون بالفعل في غزة.. أهل غزة.. ليتحدثوا عنها بواقعية شديدة وبصدق وصراحة ونزاهة.. بعيداً عن التصريحات النارية.. وبعيداً عن المراهنات وبعيداً عن الاتجار بهذه القضية.. وبعيداً عن العنتريات.. وبعيداً عن اللعب على العواطف واستغفال الآخرين.

** أين الانتصار في قطعة صغيرة أحرقت ودمرت كلها.. وهدمت المنازل فوق رؤوس أهلها؟

** كيف يتحدثون عن نصر وهمي؟

** وكيف تمارسون الضحك على الأمة؟

** هل يعد هذا امتداداً لتصريات صدام حسين.. الذي كان يعلن في معركة الانتصار.. وكانت القوات الغازية في وسط بغداد؟ وما زال يتحدث عن النصر حتى علق في المشنقة؟

** إذا كنتم بالفعل منتصرين وأقوياء وأشداء.. وقد اكتسحتم إسرائيل - كما يقول هؤلاء المتلاعبون بالقضية- فكيف تطلبون مساندة ونصرة ودعم الآخرين؟! أو لستم منتصرين؟!!

** والله.. إننا نحب أهل غزة كلهم.. وهم الأقرب إلينا.. لأننا نعرف من هم أهل غزة ولكن.. أن يسعى بعض المحسوبين عليهم خارجها بتوظيف ما حصل لتلميع آخرين هم الذين دفعوهم إلى المعركة أو (تشريه) هذا الانتصار المزعوم لآخرين من باب تلميعهم أمام شعوبهم فهذا شيء مرفوض.

** ما حصل في غزة.. خراب ودمار وحرق وقتل وليس انتصاراً.

** إسرائيل خرجت بأعتى أسلحتها وسحلت مساكين عزل.. وطمرت بيوتهم وعادت إلى قواعدها.

** إسرائيل دخلت المعركة بأحدث الطائرات والدبابات والمدافع والقنابل.. وضربت بقوة وعنف في مكان صغير محدد حتى أحرقت الأخضر اليابس، ولم تفرق بين مجاهد أو امرأة ولا بين شاب وطفل.. ولا بين مركز عسكري ومستشفى.. بل طحنت كل شيء حتى رياض الأطفال طحنت ومع ذلك نقول.. انتصرنا؟!!

** وفوق هذا.. نهدي هذا النصر لفلان وعلان ونقول.. إن فلان الزعيم أو غيره.. شريك في هذا الانتصار.

** أين الانتصار؟ وأين ما قدم هذا الزعيم لهذه المعركة حتى تكونوا كلكم شركاء في النصر؟

** إننا في هذا الزمن الرديء أمام مشكلة اسمها (النصر).

** هذا (النصر) دوماً مشكلة!!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد