Al Jazirah NewsPaper Wednesday  28/01/2009 G Issue 13271
الاربعاء 02 صفر 1430   العدد  13271
مركاز
النمل -1-
حسين علي حسين

 

على مدى عدة أيام جعلت همي مراقبة النمل، كنت أترقب كيف يقبل النمل على حبة الأرز أو السكر أو أي قطعة يحفها الحلى أو الدسم، وقد رأيت والله ما أثار خيالي، خصوصاً عند أخذ مجلسي في الصالة المكسوة بالرخام من كافة الجوانب، لا يوجد خرم إبرة فكيف بالفتحات العادية أو الشقوق، حالما أغفل ثم يعود إليَّ حبي للمراقبة، يكون النمل قد التأم طابوراً يأخذ طريقه بهدوء وسكينة إلى حيث تكون المادة الجاذبة، يتحلق حولها، يرفعها، نملة واحدة، اثنتان، ثلاث، كلهم قد يحملون القطعة معاً وقد يتناوبون حملها حتى يصلون بها إلى مستقرهم!

وحالما عادت إليَّ غفلتي وجدت النمل قد رحل بغنيمته، كيف خرج وكيف دخل وكيف يأتيه الخاطر بوجود طريدة في مكان ما؟ وبعد ذلك قمت بخطوة تالية، رششت جيش النمل كله بعدة بخات من علبة المبيد، اختفى تماماً، أصبح ممدداً مثل ضحايا الحروب، تركته مكانه وعدت مساءً لأجد جيشاً آخر من النمل يحوم بدأب حول قتلاه، رفعت العديد من الضحايا على ظهور الأهل والأقارب أو الإخوان من النمل وعادوا من حيث أتوا وعلى ظهورهم ضحاياهم، أيضاً كيف ولماذا وإلى أين؟ ولم أجد جواباً!

ما هي حاسة النمل وهل تختلف عن حواس بقية الزواحف من حيث إحساسها بالخطر وبأماكن القوت، وبقدرتها على الكمون أو الخروج في أوقات وأزمنة محددة؟ أسئلة عديدة لم أجد لها جواباً ولم أبحث عن جواب، فما شاهدته ولمسته خلال عدة أيام جعلني أؤمن بأن مملكة النمل منظمة وراقية في تعاملها مع بعضها على الأقل، أما تجاهنا فإن النمل لا يتورع عن تسلق أوعية السكر أو العسل أو السمن لإرواء غليله أو سد جوعه دون أن تسقط نملة واحدة ضحية لحاجتها إلى الطعام إلا إذا كان ذلك بأيدينا وهي غالباً قوية على رقيقي البدن والحال، خصوصاً إذا قاومناها بأسلحة فتاكة كالمبيد أو مضرب الذباب!!

أما المشهد الآخر الذي وقفت أمامه طويلاً، فكان أمام برميل النفايات، صف طويل من النمل في رحلة صعود إلى البرميل وصف آخر في رحلة نزول، وهكذا سلسلة طويلة من النمل تصعد وتنزل من وإلى البرميل دون أن تصطدم نملة بأختها، وكأنهم في طابور توزيع مواد تموينية أو أمام شباك بنك، طابور صامت ومنظم، نملة واحدة لم تسقط إلى الأرض، ماذا في البرميل البلاستيكي الناعم واللزق؟ كيس أسود محكم الإغلاق، فيه كميات وافرة من كل شيء، كل شيء تم نقله أو الاستغناء عنه، لكن النمل رأى فيه كنزاً يستحق أن يخرج من أجله من جحره، وأن تعطي كل نملة الحق لزميلتها بأن تأخذ نصيبها من محتويات البرميل، لكن الشيء الغريب الذي لم ألحظه في مسيرة تلك السلسلة من النمل أن شيئاً لم يخرج من البرميل، فهل تعذبت كل نملة وخرجت أم إن محتويات البرميل لم تكن صالحة للحفظ والتخزين في مستودعات النمل وقبلها التحميل!

أين يقطن النمل، كيف يشم أو يستشعر مكامن القوة والخطر، ما هو حجم توالد النمل، كيف ينظم جيش النمل نفسه؟ أسئلة عديدة لو عرفتها لأخذت استعداداتي لسلاسل النمل التي تتدفق حالما أنسى قطعة سكاكر أو أضع برميل النفايات أمام الباب قبل أن ينقله عامل النظافة، إنه عالم منظم دقيق في تنظيمه... إلى اللقاء.

*فاكس 012054137



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد