Al Jazirah NewsPaper Wednesday  28/01/2009 G Issue 13271
الاربعاء 02 صفر 1430   العدد  13271

الأشرعة
كاد المعلم أن يكون رسولا
ميسون أبو بكر

 

لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون.. ما أعظم المدرسة إذاً وهي المكان الأول في حياة الإنسان الذي يسعى فيه للتحصيل العلمي والمعرفي.. هي جامعة صغيرة تسبق انخراطه في الجامعة الأكبر.. وعالمنا الصغير الذي نتكوَّن فيه ونكوِّن ذواتنا، المدرسة مؤسسة تربوية وتعليمية، تسبق فيها التربية التعليم الذي لا يكون بالتلقين قدر الاقتداء.

للعلم نسعى تلبية للأمر الإلهي في أول آية نزلت على الرسول الكريم، حيث تخفض الملائكة أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع.

تتحول تلك الرهبة التي يرتعش لها قلب الطفل في لحظة المصافحة الأولى لعالم المدرسة.. إلى سكينة وألفة مع المكان الذي سيمضي فيه اثني عشر عاما (أو تزيد أحيانا) فترة تحصيله الدراسي، حيث يصبح أمانة غالية في عنق هؤلاء المؤهلين لإعداد أجيال من بناة الوطن وفي كفالتهم ورعايتهم، لتصبح هذه السنوات وذاك النتاج العلمي وأولئك الذين يلتقيهم من معلمين وزملاء ومسؤولين جزءا من نسيج ذاكرته.

فهل من المعقول أن تتحول جدائل الشمس إلى قضبان؟ والكتاب إلى وسيلة تعليمية بغيضة؟ واليوم الدراسي إلى فيلم رعب مسرحه المدرسة، وأبطاله المعلمون والطلاب هم الضحية؟

ترعبني حقا أخبار العنف التي أسمع عنها من إيذاء بعض المعلمين لطلابهم، على سبيل المثال في مصر قبل فترة مات طفل جراء ضرب معلمه له بطريقة جنونية، وأطفال آخرون يعانون من اضطهاد نفسي وآخرون من تكرار إهانة المعلمين لهم حيث يجعل هذا منهم مرضى نفسيين طوال الحياة.

إذا سنضيف مصطلحا جديدا إلى قاموسنا يمكننا أن نطلق عليه (العنف المدرسي)!! ليس من المستغرب كثيرا أن يطال الطفل العنف والقسوة في منزله، فليس كل الآباء مؤهلين للتربية السليمة مثقفين بأصولها، بعكس المعلمين الذين لا بد أن يكونوا مؤهلين للتربية قبل التعليم.

أدهشني حقا منظر الطفل الذي طغى الرعب على ملامح براءته وطفولته، فاصفر وجهه وتلعثمت اللغة في حلقة حين ذكر أمامه اسم معلمه.. بدا كرجل في الخمسين يحمل على كاهله هَم الحياة كلها!

بجهد كبير استطعت إقناعه للحديث عن مشكلته.. لحظات وانفجر كبركان.. أصبحت الكلمات كالحمم وتسارع قلبه كالموج.. وتشتتت نظراته في كل اتجاه.. أخجلتني طفولته المعفرة بكل هذه القسوة التي عومل بها، وبكل هذا الكره الذي استوطنه، ولم أجد لي سبيلا إلا سخطي على شخص كان من الأجدر أن يصون هذه الأمانة، ويحسن تربية وتعليم جيل هو نصف اليوم وكل الغد، للأسف زرع هذا المعلم شوكا بدلا من الورد وعنفا بدلا من الرحمة وقسوة بدلا من البهجة..

قصص كثيرة مشابهة لهذه القصة، ومواقف عنف مماثلة أو أشد قسوة.. يصل بعضها إلى العنف الجسدي والإهانة النفسية العظيمة..

ربما تصبح الأمثال والأقوال المأثورة ونصائح الأولين والآخرين مجرد شعارات وكذبة كبيرة لا يصدقها الطفل الذي عومل بمثل هذه الطريقة من قبل معلمه مهما عظم ذنبه.

ما السبيل إذاً..

هل نطالب بإعادة تأهيل المعلمين؟! أو إجراء اختبارات دورية وتقييم مستمر لسلوكهم وطرق تربيتهم وتعليمهم؟ نطالب منظمات حقوق الإنسان بنصوص صريحة شديدة اللهجة والقانون الدولي بعقاب صارم؟ أو بوضع كاميرات مراقبة ترصد أعمال العنف داخل أسوار المدرسة؟

أو نطالب بإنشاء عدد من المصحات النفسية لعلاج المتضررين من الأطفال نفسيا وعدد من المستشفيات لعلاج المتضررين منهم جسديا؟

لنا وقفة وألف هنا.. لننهض بالتعليم ونرتقي بالتربية.. ونحفظ كرامة الإنسان ونعزز ثقته بنفسه والآخرين وحبه للعلم ومعلميه..

ولي همسة علّ الأشرعة توصلها لمعشر المعلمين.. الذين نخشى (ننتظر) منهم الكثير: أنتم الآباء والقدوة.. ورسل كرام في أعناقكم أمانة كبيرة ومستقبل أمة.. اتقوا الله في أمانته.. وفي رسالتكم.. ومن ثم لكم كل التبجيل والتقدير.

آخر البحر

قف للمعلم وفِّه التبجيلا

كاد المعلم أن يكون رسولا

maysoonabubaker@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد