Al Jazirah NewsPaper Wednesday  28/01/2009 G Issue 13271
الاربعاء 02 صفر 1430   العدد  13271
زمن الحرابي
عبدالرحمن بن سعود الهواوي

 

يبدو أن زمن العرب في الوقت الحاضر - وإن كان هو كما كان في السابق - زمن التبدل والتغير والتلون الذي يفوق في سرعته وتغيره أغراب الحيوانات في تغير ألوانها، فالثبات في الرأي والصدق في القول والوفاء في العهد معدومة فيما يظهر عند الإنسان ....

العربي من أية طبقة كان أو أرومة ينتسب إليها أو مهنة يعتز بها، الكل سواء، المثقف والكاتب والشاعر والمؤرخ والسياسي والتاجر ورجل الشارع والأمي، الكل لا يمكن أن يثبت ولو لثانية على رأي معين، فهذا الكاتب الذي كان في الأمس يمدح بوش حتى تنام الناس في الحوش صار اليوم يسبه ويمدح أوباما، وهذا المحلل السياسي الذي كان بالأمس مع أبي مازن أصبح اليوم ضده مع هنية، وهذا الذي كان بالأمس ثورياً تقدمياً صار اليوم رجعياً متخلفا، وهذا الذي كان بالأمس قومياً وحدوياً تحول إلى انفصالياً إقليمياً، وهذا الذي كان بالأمس سلفياً صار اليوم علمانياً نهضوياً، وهذا الذي كان في الأمس مقاوماً أصبح اليوم مسالماً، وهذا الذي كان بالأمس مع المرأة وحقوقها صار اليوم ضدها.. وهكذا دواليك، ويبدو أن هذه الظواهر المختلفة عند العرب متأصلة فيهم من دون الأمم الأخرى، وقد استمدوها من دويبة زاحفة تعيش في أرضهم لأنها مشهورة من بين أنواع الحيوان على سرعة تغير لون جلدها بأي لون كان، وهذه الدويبة هي الحرباء، وهي دويبة تعيش في أرض العرب، غبراء اللون ما دامت فرخاً، ثم تصفر من الحر، فإذا أشرقت الشمس لجأت بظهرها إلى ساق شجرة، وقابلت الشمس تدور معها حيث دارت رافعة بيديها كهيئة المصلوب، وكلما اشتدت حرارة الشمس أخضر جلدها، فإذا غابت الشمس غادرت مكانها ساعية وراء عيشها وهي قادرة على أن تتلون بلون ما يحيط بها من شجر أو مدر فلا يميزها الرائي، وقد ضرب بها المثل في التلون، حيث يمكنها أن تقوم بجعل لون جسمها أخضر، أو أصفر أو أبيض أثناء ثواني عديدة، ومرة أخرى يمكن أن يكون لونها بني أو أسود، كما يمكنها أن تجعل جسمها ملونا بلطخ من ألوان متعددة، ويعتقد أن تغيير الحرابي لألوانها يتم استجابة للاختلافات في الضوء، أو في درجة الحرارة، أو كنتيجة للخوف والهلع، أو لبعض الاستجابات للجو المحيط.

في الحقيقة، لا ندري عن ماهية الأسباب التي جعلت الإنسان العربي يبدل لونه بسرعة أسرع من الحرابي في تغيير لونها، هل المسألة مسألة عقلية سلوكية، أم هي طمع أو ذلة أو خوف، أو أن القضية كريشة في مهب الريح، يقال: إن الإنسان كائن حي عاقل والحيوان بعكسه، ولكن يبدو أن سر الإنسان العربي عند الحرابي.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد