Al Jazirah NewsPaper Thursday  29/01/2009 G Issue 13272
الخميس 03 صفر 1430   العدد  13272
مركز ثقل الحرب الراهنة وفلسفتها: تجارب للثأر (2-2)
اللواء د. محمد بن فيصل أبو ساق

 

ورغم الحملات الحربية والمجازر المتكررة التي تنفذها قوات إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني فإن القيادات الإسرائيلية يدفعها الحقد لتكرار نفس الأخطاء غير مدركة بأن إرادة الشعب الفلسطيني لا يمكن أن تتحول إلى (مركز ثقل) يدك وينهار بعملية حسابية قوامها المقاتلات والبوارج...

... والدبابات، وما تقذف من حمم تحرق الأرض والفضاء. وإن استهداف إسرائيل للمدنيين بهذا الدمار لمنازلهم ومكتسباتهم المدنية وبنيتهم التحتية والقتل الجماعي وبث الرعب في نفوسهم تحت أنظار العالم يعبر عن مدرسة حرب ترى أن الاستهداف الجماعي للمدن والقتل العشوائي للسكان هو أهم (مركز للثقل) تتقرر بموجبه الهزيمة.

وهذا الإصرار الإسرائيلي نحو (مركز ثقل) خاطئ ليس إلا عمى سياسيا يغري المدافعين عن أنفسهم بالرد عليها بالمثل إن عاجلا أو آجلا.

فحين تتوفر الإمكانات وتحين الفرصة المناسبة لتحارب إسرائيل بنفس عقيدتها وفلسفة حربها فإن ذلك عامل حاسم من المؤكد انه سيقرر هزيمة ماحقة لإسرائيل ستجعلها تقدم تنازلات سياسية غير مسبوقة.

لقد كشفت مدرسة الحرب الصهيونية في إسرائيل جليا عن (مركز الثقل الإسرائيلي) عبر ممارساتها الحربية وسعيها لتدمير ما تعتقد أنه (مركز الثقل الفلسطيني).

فلم تكن صواريخ حماس في الواقع هي مركز الثقل لهذه الحرب، بل يتضح أنها ليست من أهداف الحرب لأسباب كشفتها مراحل الحرب لضعف أداء هذه الصواريخ وتواضع نتائجها.

ويتضح أن المخطط الصهيوني لهذه الحملة الحربية قد توقع أن التجمعات السكنية حيث الكثافة البشرية هي مركز الثقل الفلسطيني الذي حين يدك بكثافة النيران سوف تنهار بسببه قوى المقاومة الفلسطينية.

كما يتضح أن محاولة قتل إرادة المقاومة في المجتمع الفلسطيني كانت ولا تزال بمثابة الهدف الذي يخطط له الصهاينة واهمين على أنه مركز ثقل يمكن تدميره بالقنابل الحارقة والصواريخ.

وهكذا شاهد العالم واحدة من أكثر الحملات الحربية شراسة وتدميرا للمناطق المأهولة عبر الجو والبر والبحر.

وهذا الفتك والتدمير للتجمعات السكنية لا يمكن أن يبرر بأنه بحث عن مراكز قيادة أو مخابئ أسلحة أو ملاحقة لعناصر مقاومة، أو تفكيك وتدمير لمراكز القيادة والاتصال للمقاومة الفلسطينية.

ولا يمكن لأي متابع لهذه الحرب أن يقبل أي قول يبرر قتل المئات من الأبرياء من أطفال ونساء وكبار سن ومدنيين تحت مبدأ بحث إسرائيل عن صواريخ المقاومة أو مقاتليها.

فالجيش الإسرائيلي يقوم بالقصف المتواصل والتدمير المنهجي والحرائق لإنهاك قوى المجتمع الفلسطيني في غزة وإبادته وتحطيم لحمته وبث الذعر في شتاته متوقعا سقوط فصائل المقاومة لذلك السبب.

وبمثل ما تخبط الصهاينة في تحديد مركز ثقل حملتهم الحربية فهم لا يزالون يتخبطون في إدارتها وتقرير مخارجها الآمنة لصالحهم.

ولولا ان هذه الحملة الحربية مدعومة بموقف قانوني مساند من قوى عظمى وبحملة إعلامية ونفسية صهيونية هائلة لكان سوء التخطيط لها والفشل في تحديد (مركز ثقلها أبرز عناوين الأخبار حول العالم.

فعند التخطيط لشن الحملات الحربية لا بد أن يكون مركز الثقل للقوة المعادية بمثابة عنصر التحليل الأكثر أهمية وحساسية لتحقيق النصر أو جلب الهزيمة.

ويعمل المخططون السياسيون والعسكريون عبر أطر منهجية توحد أفكارهم وتقرب تحليلاتهم نحو تحقيق الغايات التي ترغب قيادتهم في التخطيط بموجبها.

فقبل قرار الحرب يكون القادة السياسيون والعسكريون قد اعتمدوا قائمة تمثل ما يرون بأنه مركز أو مراكز الثقل الاستراتيجية والعملياتية لخصومهم.

ويعرف مركز الثقل على أنه: تلك الخصائص أو القدرات أو المصادر للقوة - حربية أو اقتصادية- التي تستمد منها القوات العسكرية قدرتها على زخم القتال وحرية الحركة.

وهنالك حسابات دقيقة لتحديد مركز ثقل العدو.

فقبل اتخاذ قرار الحرب هنالك افتراضات كثيرة يتم تحليلها واستخلاص أهم ما له منها علاقة مباشرة بقوة العدو.

ومن ثم يتم وضع الاحتمالات الأكثر منطقية حسب فلسفة مدرسة الحرب التي ينتهجها كل طرف وغاياته من الحرب بما فيها من أهداف مرحلية.

ونظرا لتطور فن الحرب فقد أصبحت هنالك معادلات حسابية تعتمد على وزن القوة المفترض لكل مصدر من مصادر القوة أو خاصية أو إمكانية مفترضة مادية أو معنوية لصالح العدو.

ويؤدي الفشل في تحديد مراكز الثقل والفشل في عدم السيطرة عليها إلى عواقب وخيمة جدا.

وعلى وجه التحديد فإن عدم القدرة على تحقيق الأهداف العسكرية بتكلفة مقبولة وبأقل قدر من الخسائر البشرية، وفي زمن قصير نسبيا، وبمقدار من القوة المادية يشكل استنزافا للعتاد الحربي وخرقا لمبادئ الاقتصاد بالقوة مقارنة مع طبيعة الأهداف.

وليس من دليل أكثر وضوحا من الاستهداف الإسرائيلي الظالم للمواطنين والمدن واستخدام ذلك عبثا على أنه مركز ثقل للحرب.

وبلغة أخرى فإن مراكز الثقل هي التي يعتبر استهدافها وسقوطها سببا في تحقيق الهزيمة الواضحة للخصم كليا أو جزئيا.

فمن مراكز الثقل ما هو عملياتي محدود بزمن ومكان مثل خروج نوع من أنواع القوة من المعادلة الحربية، و/او سقوط قاعدة معينة يكون سقوطها سببا حاسما في تغيير المعادلة الحربية وتغيير موازين القوة.

ولكن مركز الثقل الرئيسي هو الذي بسقوطه ينهزم الخصم ويعلن انتصار طرف على آخر ويتقرر بعد ذلك ترتيبات نهاية الحرب.

ويعد رأس السلطة من أهم مراكز الثقل الذي تتمحور حوله أخطر قرارات القيادة والسيطرة للخصم.

ولذلك فإن القيادة والقوى المادية تعد مقومات حساسة يمكن أن تتحقق بسببها نتائج حاسمة في الحرب حين تتمحور حولها مراكز الثقل الحربية ويحسن أيضا التخطيط لتشخيصها واستهدافها بالقدر المناسب من القوة المهاجمة.

ومن الطبيعي جدا وجود اختلاف كبير في خصائص (مراكز الثقل (لمنظمات المقاومة الوطنية عنها في الدول والحكومات.

فقد يعتبر استهداف السكان في دولة ما وتحطيم روحهم المعنوية وبث الرعب فيهم سببا لنشر الفوضى وسقوط الحكومة وتحقيق هزيمة أو إملاء شروط.

ولكن هذا الجانب المعنوي شأن حساس جدا ولا يعد بالضرورة من خصائص (مراكز الثقل (لمنظمات المقاومة الوطنية، وخصوصا في فلسطين المحتلة.

ويتضح أن إسرائيل بإصرارها استهداف السكان تكشف عن جانب خطير وهام في جبهتها السياسية والعسكرية وتقرر بنفسها كيفية هزيمتها بشكل يخالف القيم الإنسانية والأعراف الدولية.

وهذه دعوة إسرائيلية لانتهاج فن حرب غير تقليدي لم يعد للجبهات والمواجهات فيه شأن يذكر.

فلم تراع إسرائيل قوانين العمليات الحربية والعلاقة بين الهدف والطلقة بل أصبح التدمير الشامل والقتل الجماعي تكتيكا إسرائيليا بارزا.

فقد شاهدنا القصف العشوائي عن بعد واستخدام الصواريخ والأسلحة الثقيلة باتجاه التجمعات المدنية بشكل سافر وذلك تكتيك غير معقد ويمكن تكراره لإحداث هزيمة نكراء لإسرائيل حين يضرب مركز ثقلها في وسط المدن والتجمعات السكانية بصواريخ ومقذوفات من كل اتجاه ممكن.

ولكن من يشن حربا يعتقد أنها عادلة وهو يستمد ذلك من عدالة سماوية وقانونية وقيم إنسانية لن يقوم بانتهاج التخطيط العشوائي الإسرائيلي الذي لم يحقق لإسرائيل إلا مزيدا من التعقيد والعداء.

وهنالك أساليب منهجية يتم من خلالها تحديد مراكز الثقل قبل شن الحرب، وليس هذا مجال لعرضها.

وكان الفيلسوف الصيني سون تزو قد قال قبل أكثر من ألفين وخمسمائة سنة: (اعرف عدوك، واعرف نفسك).

وهذه حكمة سياسية وحربية تختصر على دارسي فن الحرب الكثير في سعيهم لمقارنة القوى المتضادة.

ولكن النجاح في تحقيق حكمة سن تزو تحتاج إلى قيادة حكيمة تعرف كيف تحقق النصر وتتجنب الخسائر، وليس في عقيدتها فلسفة للقتل والتدمير كواحدة من غايات الحرب، كما هي عقيدة إسرائيل السياسية والحربية.

عضو مجلس الشورى


mabosak@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد