Al Jazirah NewsPaper Thursday  29/01/2009 G Issue 13272
الخميس 03 صفر 1430   العدد  13272
حديث المحبة
حتى لا تختزل القضية ..!
إبراهيم بن سعد الماجد

 

منذ 1948م ونحن نعرف إن قضيتنا الأولى والكبرى هي قضية فلسطين، بل قبل ذلك وتحديداً عام 1936م ومع بداية ما سمي بأحداث الثورة الكبرى والحديث دوما ينصب حول هذه القضية التي لا يعرف صغارنا تفاصيلها أكثر من أنها قضية الأرض المباركة حيث مسرى رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام...

... وفيها المسجد الأقصى حيث القبلة الأولى، وكل ما يتردد على السنة الساسة والمفكرين والشعراء والعامة (فلسطين) دون تقسيمات لهذه الأرض، فلو نظرنا إلى مكتباتنا حيث أولفت الكتب وأجريت الدراسات وكلها تحمل عنوانا واحدا اسمه (فلسطين) ولذا نشأنا ونشأ أبناؤنا ونحن جميعا ندرك تمام الإدراك بأن قضيتنا التي لا مساومة عليها هي قضية فلسطين، وأن عدونا اللدود هم اليهود الذين احتلوا أرضنا ودنسوا مسرى نبينا.

واليوم أنا أسمع أصوات شبابنا وأطفالنا تصيبني (رهبة) رغم جمال العبارات وسمو المقصد، كل هذه الأصوات تردد (غزة).. غزة أرض العزة، يرددونها بكل عفوية تضامنا مع أهلنا في (غزة) ولكن مصدر انزعاجي هي خشية تواري القضية الأم قضية فلسطين من المسرح العام الذي قد يواريها عن المسرح السياسي بشكل أو بآخر، وهنا بلا شك ما يتطلع إليها العدو الإسرائيلي، وقد يكون من خططه في استهداف غزة تحديداً تحييد القضية الأم وجعل الناس يهتمون بهذا القطاع تحديداً دون سواه وينسون مع الأيام فلسطين.

وإن كانت هذه نظرة الصهاينة وهذا أملهم فإنني أؤكد بأن ذلك لن يكون -بإذن الله- لأن هذه القضية ثابتة في جنان كل عربي ومسلم وهي القضية المقدسة التي لا يمكن المساس بها أو التنازل عنها، لكونها مرتبطة بأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهي الأرض المباركة، أرض الرباط، تلك الأرض التي تتكسر على صخورها سيوف الباطل مهما تجبرت، ولا يمكن أن يقبل أي إنسان عربي أو مسلم بغير تحرير هذه الأرض وعودتها على السيادة العربية الإسلامية، إذا فالقضية لا تعني من يعيشون أو عاشوا على ترابها فقط بل تعني الأمة جميعا، كما قال بذلك الشيخ علي الندوي -رحمه الله- حيث قال:- (لقد آن الأوان لتجمع الأمة من شرق العالم وغربه، من شمال العالم لجنوبه، بغض النظر عن الجنسيات واللغات والثقافات، على الحمية الدينية، لنصرة المسجد الأقصى الأسير).

والشيخ يوسف القرضاوي يستنهض الهمم في هذه القضية ويشعرنا بأن الوقت قد حان وكل مسؤول قدر استطاعته حيث قال: (إن القدس ليست للفلسطينيين وحدهم، وإن كانوا أولى الناس بها، وليست للعرب وحدهم، وإن كانوا أحق الأمة بالدفاع عنها، وإنما هي لكل مسلم أيا كانت موقعه في مشرق الأرض أو مغربها، في شمالها أو جنوبها، حاكما كان أو محكوما، متعلما أو أميا، غنيا أو فقيرا، رجلا أو امرأة، كل على قدر طاقته واستطاعته..).

هذه هي الرؤية المتفق عليها لدى جميع الأمة عربا كانوا أو عجما، الجميع يعيش هذه القضية ويعايشها، والجميع يؤمن بأهمية فك المسجد الأقصى من أسره وعودته إلى حاضرة الإسلام، وأن هذا أمر لا يقبل النقاش بأي شكل من الأشكال.

إن الصمود الفلسطيني أمام آلة الحرب الصهيونية وعلى مدى أكثر من ستة عقود له أكبر دليل على أن هذه القضية لن تموت، وما ذلك إلا لكونها قبل أن تكون قضية وطن فهي قضية مقدسات، وقبل أن تكون قضية شعب، فهي قضية أمة.

لقد فقد الشعب الفلسطيني عدداً كبيراً من أبنائه، وأصيب عدد آخر بعاهات مستديمة، ولكنه لم يفقد إيمانه بالله سبحانه وتعالى الذي وعد الصابرين بالنصر.

وحتى لا تختزل هذه القضية في قطاع دون آخر، أو فئة دون أخرى، فإن مسألة الوحدة الوطنية مطلبا بات ملحا أكثر من ذي قبل، ولا يجوز لأي إنسان يحمل ذرة من شرف الانتماء إلى هذه الأمة أن يتخاذل أو يتهاون في هذا الأمر.

فعلى أفراد الأمة أن يعوا مخطط العدو الذي يريد فعلا اختزالها في قطاع دون قطاع، وجماعة دون أخرى، ليسهل عليه ابتلاعها بكل يسر وسهولة.

وعلينا أن ندرك أننا في مرحلة حاسمة، وهذه المرحلة تتطلب منا جميعا الذود عن قضيتنا بكل ما أوتينا من قوة، وكل حسب طاقته ومكانته.

ولعلي أختم ببعض ما قاله مؤسس هذه المملكة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله تعالى- في رده على الرسالة التي بعثها إليه الرئيس الأمريكي آنذاك هاري تورمان المؤرخة في 10 فبراير 1948م والتي كانت تنضح بالشفقة والمودة لليهود في أرض فلسطين، ويطلب خلالها من الملك التدخل بثقله العربي والإسلامي لحماية اليهود وتقرير مصيرهم في أرض فلسطين، وإنه إن لم يحصل له ذلك فقد تتأثر العلاقات بين البلدين، فكان مما قال الملك عبدالعزيز لتورمان:-

(تلقيت رسالتكم المؤرخة 10 فبراير الجاري، وأحطت بمضمونها علما، وإني مع شكري لفخامتكم على ما وجهتم إليّ فيها من عبارات المودة والمجاملة، لا يسعني إلا أن أصارحكم والصراحة من آدابنا المرعية بأنه ما كادت تتلى علي الرسالة حتى عجبت أشد العجب من أن يبلغ بكم الحرص على إحقاق باطل اليهود إلى حد أن تسيئوا الظن بملك عربي مثلي، لا تجهلون إخلاصه للعروبة والإسلام، فتطلبوا منه أن يناصر باطل الصهيونيين على حق قومه، ولكي تقدروا موقع هذا الطلب من نفوسنا فسأضرب لكم مثلا: لو اعتدت دولة قوية على إحدى ولاياتكم المتحدة، ففتحت أبوابها لمهاجرين من شذاذ الآفاق ليقيموا بها دولة، فلما هبَّ الأمريكيون لرد ذلك العدوان والحيلولة دون قيام تلك الدولة الغربية في أرضهم جئنا نحن فنناشدكم بحق الصداقة التي تربط بلدينا وباسم السلام العالمي أن تستعملوا نفوذكم ومكانتكم لدى الأمريكيين ليكفوا عن الدفاع بلادهم، ويمكنوا لذلك الشعب الغريب أن يقيم فيها دولته حتى يسجل التاريخ في صفحاته البيضاء أن الرئيس (ترومان) قد استطاع بحكمته ونفوذه أن يقر السلام في القارة الأمريكية فليت شعري ماذا كان يكون وقع هذا الطلب في نفوسكم؟!.

ويؤكد الملك عبدالعزيز في هذه الرسالة تصميمه وتصميم كل العرب على استرداد هذه الأرض والتضحية بالأرواح في هذا السبيل بقوله:-

(وإني لا أشفق على بني جنسي الذين يستشهدون في المعارك الدامية بفلسطين، دفاعا عن وطنهم ضد الغزاة الصهيونيين وغيرهم ممن قد يأتون لمناصرتهم، فإننا معشر العرب نعد ذلك شرفا يغبطون عليه، ولن يتراجعوا ولن نتراجع عن تأييدهم بكل ما أوتينا من قوة حتى نبدد أحلام الصهيونيين وأطماعهم في بلادنا إلى الأبد).




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد