سقط نظر (لولوه) ذات مساء (طفلة العشر سنوات) على باب المنزل وهو يصدر صريرا ليلج منه والدها حاملا على أكتافه أكواما من البراسيم ليطعم البقر.. هرعت إليه بكل ما يسكنها من حب تتذرع لمساعدته ليزجرها قائلا: انقلعي!! فتح باب (حوش البقر) بيده اليسرى وهو ممسك بحزمة البرسيم بيده اليمنى ثم دخل ليلقي بالبرسيم في صندوق الطعام.. لولوه ترقبه من بعيد.. خوفا.. وهرعا.. وضياعا.. وشتاتا!! ركض إليه (الثور) مسرعا من خلفه فصرخت قائلة: (انتبه يبه) فلم يتدارك إلا أحد قرونه وأوقعه القرن الآخر على الأرض... لولوه تلك الطفلة البريئة بكل ما تحمل من مخاوف يخبئها المجهول اندفعت إلى (حوش البقر) لتخلع قميصها الأحمر وتلوح به أمام (الثور) وتجري بسرعة البرق لتصرفه عن أبيها ثم بلمح البصر تصعد على السلم المركون على (صفة العلف) لتجد نفسها فوق سطح (الطايه) وتنتابها موجة بكاء عارمة لم تجد لها تفسيرا حتى بعد ثلاثين عاما!!!
الغريب أنها بعد ما هدأت الأوضاع ونزلت من سطح (الطايه) كافأها والدها ضربا باليمين لأنها تصرفت من تلقاء نفسها وبدون أن تستشير وعرضت نفسها للخطر... هذه قمة التعبير عن المشاعر السخيفة.. الضرب في حالة الهلع!!!
هذه جزء من الأحداث التي تبقى في الذاكرة رغم عبورها السريع وأنه لم يتبق منها سوى وخز بسيط ينتاب صدر لولوه كلما أخافتها الأحداث على صغار روحها وهرعت للتعبير عن مخاوفها بالضرب والزجر... لم تترك سنن الأولين في ذواتنا إلا شعورا مخيفا يداهمنا كلما تصافقت الأشجار وأضاء البرق وابتلت السماء بالمطر...!!
عنيزة