Al Jazirah NewsPaper Thursday  29/01/2009 G Issue 13272
الخميس 03 صفر 1430   العدد  13272
المدن الجامعية والتكلفة المخفيّة!
د. حامد بن وردة الشراري

 

خصصت الدولة لقطاع التعليم العام، والعالي، وتدريب القوى العاملة، والعلوم، والتقنية، والبحث العلمي، وبرامج الابتعاث الخارجي موارد مالية سخية، حوالي 122 مليار ريال، التي تمثل نحو ربع الإنفاق الحكومي من الميزانية المتوقعة في العام 2009م. ويوجَّه جزء كبير من هذا المبلغ للتعليم العالي، وبالذات لاستكمال إنشاء المدن الجامعية التي ستصبح -بمشيئة الله- محور اقتصاد المعرفة الذي سيكون دعامة رئيسية لاقتصاد البلد.

وبعد اكتمال هذه المنشآت الضخمة تبدأ مرحلة التشغيل والاستفادة منها، كما أُستهدف منها، وخُطِط لها. ومع مرحلة التشغيل هذه تبدأ معها مرحلة أخرى مهمة جداً، ألا هي مرحلة الصيانة، وهي مرحلة تزداد فيها التكاليف مع تقادم عمر المنشأة، وتُحمَّل على ميزانيتها السنوية، التي هي من ميزانية البلد. والمنشآت إما أن يكون رُوعي فيها المواصفات العالمية، والجودة العالية، وأُخذ بعين الاعتبار أهمية الصيانة، وبرامجها، وتكاليفها، وتكوين فريق صيانة خلال مرحلة الإنشاء (الصيانة الذاتية)، أو هي منشآت خلاف ذلك. وفي هذا النوع الأخير تتزايد فيه تكاليف الصيانة السنوية بنسب عالية من الميزانية المقررة لهذه المنشأة، حتى تصبح بعد فترة، مقدار تكاليف الصيانة أعلى من تكاليف إشادة المنشأة نفسها!، وهذا ما يخشاه الجميع. وتبلغ النسبة المتعارف عليها لحساب أو تقدير ميزانية الصيانة 3 - 5 % سنوياً من قيمة المنشأة، وتزداد هذه النسبة مع تقادم عمر تلك المنشأة. وتُعرَّف الصيانة على أنها خطوات وإجراءات تتخذ بقصد الحفاظ على الأداء الاقتصادى الأمثل لكافة المرافق والمنشآت والأجهزة المستخدمة بدرجة كفاءة عالية، وبصفة مستمرة، وبدون أعطال مفاجئة تقريباً، وهذا يتحقق بوجود الميزانيات الكافية، واستخدام أنظمة الصيانة الجيدة، وفق المعايير العالمية والأيدي العاملة المدربة، من إداريين، ومهندسين، وفنيين على أعمال الصيانة وإدارتها بأقل تكلفة وأسرع وقت.

والدولة، متمثلة بالقيادة، تولي اهتماماً كبيراً بهذا المجال، لوعيها الكامل بأهميته، وما يترتب عليه من تكاليف على ميزانية الدولة مستقبلاً. وما الملتقى الدولي السابع للتشغيل والصيانة في البلدان العربية الذي كان برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد تحت شعار (الصيانة وفق القياسات العالمية)، والذي عقد بمدينة الرياض خلال الفترة من 26 - 29 شوال 1429هـ الموافق 26 - 29 أكتوبر 2008م، إلا خير دليل على ذلك.

إن ما نراه اليوم من تخطيط وإشادة للمدن الجامعية، ومشاريع أخرى ضخمة، مشابهة، كالمدن الاقتصادية، والطرق السريعة وغيرها في طور الإنشاء، وضخامة المبالغ المدفوعة، يحتم علينا السؤال المهم: ماذا عن تكاليف الصيانة مستقبلا؟، وكم سوف يستقطع من ميزانيات الدولة، لاستمرارية هذه المنشآت مستقبلاً على الوجه الأمثل لتخدم البلد؟، وهل رُوعي عند إنشائها عامل الصيانة وتكاليفها عند تشغيلها مستقبلاً؟.

لنضمن ما يطمح له الجميع، وذلك بتقليل تكاليف الصيانة المستقبلية ما أمكن، وبالمستويات المطلوبة عند تشغيل المنشأة، أرى التالي:

1- أن يؤخذ بعين الاعتبار أهمية الصيانة وبرامجها المستقبلية خلال مرحلة التصميم والإنشاء، وأن تكون وفق المعايير الدولية، سواء من استشاريي التصميم، أو من المقاول، أو من الاستشاريين المشرفين، وكل من له علاقة بذلك، من أطراف أخرى.

2- اختيار المواد والتجهيزات -ذات الجودة العالية- عند الإنشاء المتوفرة أو جُلّها في السوق المحلية أو الإقليمية، كما أنه تجب مراعاة سهولة وسرعة الحصول عليها من أي مكان، وبتكلفة أقل عند الحاجة لها مستقبلاً.

3- تكوين فريق وطني من الإداريين والمهندسين والفنيين يرتبط بإدارة الجامعة (أو المنشأة)، يعمل مع المقاول والمشرفين والاستشاريين ليكون على اطلاع تام على مراحل الإنشاء من البداية إلى النهاية، ليصبح خبيراً ومؤهلاً، وليكون على دراية تامة بالمنشأة، وبالتالي إدارتها، و تشغيلها، وصيانتها بعد اكتمالها وبكفاءة عالية جداً، وبتكلفة معتدلة وفقاً للمرجعيات الفنية الهندسية العالمية في مجال الصيانة.

إن المدن الجامعية هي من أهم عناصر البنية التحتية الأساسية للمملكة في التعليم العالي وصناعة اقتصاد المعرفة. كما وتُعدُّ المبالغ الضخمة المصروفة على تشييدها استثمارا أساسياً في اقتصاد البلد، تدعو الحاجة للمحافظة عليها وتطويرها، حتى تكون رافداً من روافد التنمية والازدهار لأطول مدة زمنية ممكنة، وبأقل تكلفة على ميزانيات الدولة مستقبلا. إن الإدراك، والوعي بأهمية الصيانة، وما يترتب عليها من تكاليف مستقبلية (مخفية)، ممن لهم علاقة بإنشاء هذه المدن الجامعية، أو غيرها، والنابع من الحسّ الديني، والوطني، إضافة لتكوين فريق مؤهل لإدارة، وتشغيل، وصيانة هذه المنشآت، لهو من العناصر المؤثرة في إطالة عمرها الافتراضي، لتستفيد منها الأجيال القادمة.

فاصلة:

(الصيانة ليست مجرد تكاليف، وإنما نشاط إنتاجي)

عميد كلية الهندسة - جامعة الجوف


Hamed_100@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد