Al Jazirah NewsPaper Thursday  29/01/2009 G Issue 13272
الخميس 03 صفر 1430   العدد  13272
هل يمكن للرئيس في النظم الديموقراطية أن يتسلَّط؟
د. مجدي محمد حريري

 

إذا قارنا بين نماذج الهيئة التشريعية بنشاطها التشريعي والرقابي في الدول المتقدمة نجد أن هناك نموذجين رئيسيين هما النموذج البرلماني المعمول به في المملكة المتحدة، وغالبية الدول الأوروبية، والنموذج الرئاسي أو الكونجرس المعمول به في الولايات المتحدة الأمريكية، وغالبية دول أمريكا اللاتينية.

أما بقية الأنظمة التشريعية في العالم فما هي إلا صور قائمة على تغييرات طفيفة من النموذجين؛ حسب طبيعة الدول، وثقافتها، وتقاليدها المتوارثة.

ويقوم كلا النموذجين على أساس مجلس أو مجلسين، وفي حالة وجود مجلسين؛ فالمجلس الأعلى قد يكون معيناً عن طريق رئيس الدولة؛ مثل مجلس اللوردات في المملكة المتحدة، أو منتخباً بصورة مباشرة؛ مثل مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة الأمريكية، أو يجمع بين التعيين والانتخاب كما في إيطاليا.

وأهم الفروق بين النموذجين أنَّ المجلس الأدنى هو الذي يختار رئيس الوزراء ووزارته من زعماء الأغلبية، كما أنَّ المجلس يمكنه إسقاط الحكومة بسحب الثقة منها، بينما الرئيس التنفيذي في نموذج الكونجرس ينتخب مثل أعضاء المجالس، ولهذا لا يمكن إسقاطه، وإن أمكن للمجلس توجيه التهم له ومحاكمته في مجلس الشيوخ، ولا يمكن للرئيس حل الهيئة التشريعية، وبهذا يتحقق فصل شامل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.

في النظام الرئاسي يمنح الرؤساء قدراً كبيراً من السلطة الدستورية مثل ممارسة دور الرئيس الأعلى للقوات المسلحة، وهو لقب دستوري يمنح لغالبية الرؤساء، وبالإضافة لذلك فإنَّ السلطة الرئاسية لتلقي السفراء كرئيس للدولة تفسر على أنَّها منح للرئيس بسلطات واسعة في إدارة السياسة الخارجية.

ووفق بعض المتخصصين فإنَّ النظام الرئاسي على غرار الكونجرس المعمول به في الولايات المتحدة الأمريكية ينحدر بسرعة إلى نظم استبدادية في كل دولة تم تطبيقه فيها.

وبمقدور الرئيس المنتخب ألا يكتفي بتحييد نفوذ الأحزاب الأخرى، بل بإقصاء العناصر المنافسة له في حزبه، أو أن يترك الحزب الذي انتخب على بطاقته كلية.

فبمقدور الرئيس أن يحكم دون أي حلفاء خلال فترة إدارته، وهذا موضع قلق للعديد من المجموعات ذات المصالح.

ثم إنَّ الانتخابات القائمة على انتخابات مجموع الجائزة فيها صفر تمثل خطورة يزيد من تعقيدها عدم مرونة فترة مكوث الرئيس في منصبه.

فالفائزون والخاسرون يستمرون على حالهم طوال فترة ولاية الرئيس.

وعلى الخاسرين الانتظار أربع أو خمس سنوات دون الحصول على أية سلطة تنفيذية أو مشاركة في السلطة.

ولعبة مجموع الصفر في ولاية الرئاسة ترفع قدر المغانم في الانتخابات الرئاسية، وتؤدي حتما إلى تفاقم حالة الاحتدام والانقسام بين المشاركين فيها.

وهناك من المتخصصين في العلوم السياسية من يذهب بعيداً في اعتبار أنَّ النظم الرئاسية تواجه صعوبة في استدامة الممارسات الديمقراطية؛ خاصة أنَّ الكثير من النظم الرئاسية انزلقت في مصيدة الاستبداد في كثير من الدول التي طبقت فيها.

كما أنَّ التحول إلى الاستبداد في النظم الرئاسية الذي جرى في بعض البلاد غير مشجع على الديموقراطية؛ حيث أدى العسكريون دوراً كبيراً في هذا الصدد، كما أسهمت في تحول بعض جوانب النظام الرئاسي.

وفي النموذج الرئاسي فكل من الرئيس والمجلس التشريعي لهما تفويض من الشعب، وليست هناك وسيلة لحل الخلاف بين جناحي الحكومة.

وعندما تتناطح الرؤوس وتتوقف فاعلية الحكومة وليست هناك حوافز قوية للجوء إلى المزيد من المحاولات الإضافية فيتم اللجوء للدستور لفك الأزمة.

هناك من علماء السياسة من يرى أنَّ النظام البرلماني أقل تعرضا للانهيار بسبب الاستبداد؛ مقارنة بالنظام الرئاسي.

وأولئك يشيرون إلى أنَّه منذ الحرب العالمية الثانية استطاعت ثلثا دول العالم الثالث إقامة حكومات برلمانية انتقلت بنجاح إلى الديموقراطية.

وبالمقارنة فإنَّ أياً من الدول التي تبنت النظام الرئاسي في العالم الثالث لم تنجح في التحول إلى الديموقراطية بدون قيام انقلاب عسكري، وانهيار دستوري.

كما أنَّ ثلاثين دولة توظف الحسابات والموازنات الأمريكية - كلها دون استثناء - تهاوت إلى الحضيض مرة تلو أخرى ولعدة مرات.

وقد أسفرت دراسة للبنك الدولي عن الفساد فوجدت أنَّ النظام البرلماني يؤدي إلى درجة أخف من الفساد.

ونتطلع إلى أن يسعى الرئيس الجديد أوباما إلى مراجعة النظام الرئاسي في الكونجرس بما يضمن الحد من تسلط أو استبداد الرئيس في العهود القادمة.

عضو مجلس الشورى



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد