Al Jazirah NewsPaper Friday  30/01/2009 G Issue 13273
الجمعة 4 صفر 1430   العدد  13273
فجر قريب
للأقوياء فقط!
د.خالد بن صالح المنيف

 

في كتابه قرارات تغير حياتك يطرح هال ايربان خمسة أسئلة غريبة إليكها بتصرف:

1. هل تصدق أن عاقلاً لبيباً يطعم نفسه سماً ناقعاً متعمدا؟

2. هل تعتقد أن راشداً يذهب إلى السجن بنفسه دونما جريرة!

3. هل تظن أن بشراً سوياً يحمل معه بشكل دائم أربعة حقائب ثقيلة قد ملئت حجارة ونفايات؟

4. هل يعقل أن ذا إدراك يوثق نفسه بسلاسل ويطلب من الناس جلده وضربه؟

5. هل يمكن لحكيم أن يطلب ممن آذاه ونال منه أن يكرر أذيته ويمعن فيها؟

لا أشك أننا جميعا لن نجد صعوبة ولن نأخذ وقتا ولن نحار جوابا عن تلك الأسئلة طالما كنا نعيش في مجتمعات مستقرة وذوي نفسيات ساكنة السوية ولم يكن مجتمعا من المعتوهين ولا مدينة من المجانين ولا قرية من المازوخيين!

للأسف إن الذين يختارون عدم التسامح يضرون أنفسهم ابتداء وينالون منها ويسقون أنفسهم سما باختيارهم ويسجنون أنفسهم في أقفاص الماضي ويحملون هموما أثقل من الجبال ويكبلون أنفسهم بأغلال حماقات الآخرين معتقدين أنهم يتسامون أو ينتصرون بتلك المشاعر الضاغطة! يقول مونتغمري: الأزهار كتاب وضعه الله ليعلم البشر اللطف والتسامح، ألا ترون أن الإنسان يطؤها بقدميه وهي ترمقه بابتسامة وكذلك تهدي له عبيرها!

وقديما انشد زهير بن أبي سلمى بيتا شهيراً محرضاً على الانتقام وعدم العفو صاداً عن الخير محرضاً على الشر والظلم يقول فيه:

ومن لم يذد عن حوضِه بسلاحِه

يهدّم ومن لا يظلم الناسَ يُظلمِ

وقد جاء الإسلام بحلول أرحب ومنطق أعمق وفهم أشمل داعيا للصفح الجميل وإقالة العثرات والتسامح مع إمكان السطوة والتسامح مع علو اليد يقول تعالى (ادفع بالتي هي أحسن) وكان حبيبك وقدوتك محمد - صلى الله عليه وسلم- مثلاً أعلى في قوة الشخصية وجمال الأخلاق وحسن التصرف فقال لمن آذوه وشتموه وحاربوه: اذهبوا فأنتم الطلقاء..

أيها العزيز لن يصبح التسامح عادة لك إلا إذا أيقنت أن مكاسبك من التسامح أعظم بكثير من الانتقام وإليك بعضاً من تلك المكاسب:

1. تأكد أنك الكاسب الأول مع العفو فالجوائز الثمينة تنتظرك في الدنيا والآخرة يقول لاوانا بلا كويل: يكاد العفو أن يكون فعلا أنانيا بسبب النفع الشديد الذي يعود على من يصفح!

2. يعد العفو انتصارا عظيما في معركتك الأهم في الحياة مع النفس والشيطان ومحكا حقيقيا لقوة الإرادة يقول أحمد أمين: عندما أدعو للتسامح فإنني أدعو للقوة والسلام لا للضعف والاستسلام فأنا أتسامح وأنا قوي!

3. عندما يصبح العفو خلقا لك وجبلة لك ستدفع من حولك للتخلق به وستجني أنت ثمار ذلك الخلق.

4. العافي عن الناس ينام قرير العين ساكن الفؤاد رخي النفس مستقر التفكير وقد بتر جذور الألم وقطع حبال الهم، مستمعا بلحظته مدركا أن العمر القصير لا يقبل حضور مثل تلك التفاهات.

5. إن أقوى انتقام من المعتدين والظلمة يتمثل في العفو والصفح وهو كما قال ماركوس اورليوس: إن أفضل ما تنتقم به لنفسك ممن ظلمك أن لا تكون مثله!

> وهناك بعض (الشبهات) التي تقف عائقا بين الكثير وبين فضيلة التسامح منها:

1- شبهة (تكرار الخطأ) وأقول إن المسلم يفعل الخير لوجه الله (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم) وإن عاد وأخطأ عليك مرة أخرى ظالمك فعليه الوزر ولك النصر والدرجات العليا. وأقول اجعل نفسك مكان (الآخر) وافترض أنك أخطأت على أحدهم ثم قابل الخطأ بعفو وتسامح وروح طيبة، كيف ستراه بعد هذا؟ وما هي ردة فعلك المتوقعة منك؟ جزماً سيعلو قدره ويكبر في عينيك على تلك الأخلاق، وأطمئنك أن أغلب البشر مثلك وبعقلك وسيثمنون لك جمال الخلق! أما القلة (اللئيمة) الناكرة الجاحدة والتي لا ينفع معها التسامح والعفو فأربأ بأمثالك أن يعاملهم بالمثل وإياك أن تُفسدَ أخلاقك وتتنازل عن ثوابتك لتحسن أخلاقهم.

2- شبهة (الإهانة) فكثير من الأخطاء ربما وقعت من البعض نتيجة سوء تصرف وقلة معرفة ولا يقصد بها الآخرون جرحنا وما يجمجم في عقلك ويدور في أعماقك ليس بالضرورة هو الحقيقة.

3- شبهة (العقاب) ربما زارك خاطر بأن هذا الشخص المعتدي يستحق العقاب ولابد من تأديبه، وأقول هل أنا وأنت مبرؤون من الخطأ؟ فجميعنا ذلك الشخص ونحن بحاجة إلى التعاطف أو التسامح أكثر من حاجتنا للتأديب!.

4- شبهة (عدم القدرة) ربما كان حديثك مع نفسك بأنك شخص لا تملك القدرة على أن تسامح الآخرين وتقول هي تحتاج إلى قوة لا أمتلكها! وأقول إنك تملك القدرة وما ينقصك هو الإرادة ولا شيء غيرها واستحضار المكاسب العظيمة التي ستنالها بإذن الله فما أجمل أن نصفي قلوبنا من الأحقاد والغل، وبمقدار ما نعفو ونتسامح يصفو المحيط من حولنا ويفيض علينا العالم بأسره بجوده وخيره.

ومضة قلم

لا يمكن للضعيف أن يعفو فهو من شيم الأقوياء فقط

***



khalids225@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد