Al Jazirah NewsPaper Friday  30/01/2009 G Issue 13273
الجمعة 4 صفر 1430   العدد  13273

لا مستحيل يا شعب فلسطين
عبدالعزيز سعد عبدالكريم الخراشي – الرياض

 

الدمار.. الخراب.. التشرد.. الضياع.. تمزيق الأبدان.. جُمل عديدة، حروف قاتمة السواد، مرعبة مخيفة.. مصائب وهموم مسمومة تكتنفنا في هذا العالم، أحزان رائحتها تكتم الأنفاس، وتحيط بالجميع، انفجار هنا، وانقلاب هناك، أغفلنا أن نكون خير مة أخرجت للناس، نسينا الله فنسينا، تجاهلنا أن عنترة بن شداد سقط عن جواده ألف مرة قبل أن يصبح أبا الفوارس، أصبحنا نسير ونقف على قبور أصدقائنا بأحزان ودموع مزيَّفة.. إن نظرة واحدة إلى عجلات سيارة شحن مسرعة تدهس شاباً في ريعان شبابه فتمزق جسده كفيلة بأن تملأ نفس الإنسان بالفزع والخوف، وإن حريقاً يقضي على سكن بأجمعه وبمن فيه يستطيع أن يولد لدينا أسى وألماً شديداً، فما بالنا يا أخ المأساة والضياع ببلد كامل وبوطن بشعبه، ما بالنا بحق ضائع في بلد أشد ضياعاً.. إنه شعب فلسطين الحبيبة التي قال فيها الشاعر:

فلسطين تحميك منا الصدور

فإما الحياة وإما الردى

كأني بك أيها الشاعر العربي ترى وتسمع ما يحدث الآن من فصول مسرحية هزلية، يا فلسطين كانت بكِ حياة والآن حلَّ، بك الموت والدمار، كان فيك الوفاء والآن حلَّ بكِ الغدر والخيانة، كم احتويت من كنوز ثمينة ومن تراث جميل، لقد شهدت مولد الأرض والآن من سيشهد ميلادك من جديد، كنا نعتقد أنك ستشيعين الأرض والآن من ذا سيشيعك بعد.. هل هو طائر البوم؟.. دماء تسيل وجثث تُمزق في العراء وتاريخ يُمسح وكأنه لم يحدث شيء.

يا فلسطين كم من طفل يُتم فوق أرضك وكم من أُم أُثكلت على ثراك.. لم يرحموا صغيراً ولا كبيراً، يا فلسطين.. ما بالك ترتعشين هل عرفت أية جريمة ارتكبت بحقك، ولكن عندما يدق ناقوس الخطر معلناً لنا بأن الدنيا في خطر آنذاك تتلبد السماء بالغيوم وتنهل الأمطار باكية على تلك البشرية المتطاحنة على الأرض، وعلى فلسطين مُضاعة، هنا ستذرف السماء الدموع الحارة على ظلم بني الإنسان وستغني الكواكب ألحانها الحزينة على أوتادٍ مبتورة، لكننا سنقف فخورين لننشد ونردد وتردد معنا السماء لحناً كالرعد في صوته وكاللحن في رقته ومن تنكَّر له الحظ فسيموت ولن ننساه ولن تجف عليه دموع أبناء وطنه، وهنا تبرز الحروف من جديد وتتجدد الآمال العِراض وتراود الأحلام عيون العذارى وتُمحى كلمة المستحيل من قاموس العودة، آنذاك نشد العزم جميعاً على أن نجر إلى شط الأمان وبر السعادة تحدونا في ذلك الرعاية الإلهية، وتحثنا آمالنا الطوال التي عاشت معنا طيلة أيام النكبة على أن نسير قُدماً إلى الأمام، ستحقق الأحلام وستورق الورود من جديد وستغيب التأوهات التي أكلت بشاشة الوجوه.. فيما مضى كان في صدر كل واحد منا نقطة سوداء قاتمة كانت يوماً ما قلباً نابضاً يحس بحب الوطن الأم، ويشعر بالمسؤولية العظيمة تجاه العودة إلى مراتع الصبا وأحلام الشباب وفجأة تحترق هذه الكتلة السجينة بين الضلوع وذلك من هول النكبة وما يجري الآن في فلسطين التي أُصيبت في الصميم.. ولكن رغم الظروف والوعود والهزيمة التي أتت وليدة الصدفة.. رغم هذا كله تحيا الآمال من جديد كما تحيا السنابل في الحقول بعد الجفاف عندما تلامسها قطرات الندى، لقد تجرعنا كأس الحزن حتى الثمالة وذرفنا دموع الأسى حتى ابتلت الأرض وعشنا على الآمال سنين طويلة إلى أن فرَّخت الآمال العِراض من جديد لتحثنا على السير قُدماً إلى الأمام إلى النصر إلى العودة إلى زراعة نبات ينمو بسرعة في كل الفصول، اسمه التصميم على استرجاع حق مُضاع وما اغتصب من حقوق شعب فلسطين، وسرنا بمركبنا عبر أمواج وعواصف شديدة منصتين بكل حواسنا إلى حركات الزمن نداءات الماضي الحزينة التي تشعرنا أن الدنيا ما زالت بخير ما دام هناك فدائي واحد.. وفي لحظة ما ستنهل دموع الفرح وستغني الكواكب لحناً باسماً، يصل إلى مسامعنا، سنقاتل في معركة العودة وسنموت في سبيل الوطن (فلسطين) وسنحيا حياة الأحرار في كل الديار وسنهتف بصوت واحد إنه (لا مستحيل يا شعب فلسطين).

وقفة:

وحين يزحم وجه الموت ذاكرتي

أبكي عراقي أم أبكي فلسطيني

سميح القاسم


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد