قرأت في العدد 13261 من الجزيرة وتاريخ 21 محرم 1430هـ تعقيباً في عزيزتي الجزيرة بالعنوان المذكور أعلاه للكاتب فهد بن علي العبودي يلوم فيه لائمي (إخواننا المجاهدين هناك - في غزة- نصرهم الله ومكنهم في الأرض، ويزعم أنهم السبب فيما يجري، وقد تجاهل هذا المتغاضي أو المتعامي جرائم اليهود على مر الأيام ونكثهم للعهود بعد إبرامها) - كما قال- وأنا طبعاً أوافق الكاتب على ما قال عن المجاهدين الفلسطينيين وأشاركه الدعاء لهم بالنصر والتمكين.. ولكن أنا أريد التعقيب على عنوان المقال فهو مأخوذ من بيت للشاعر المخضرم الحطيئة (جَرْوَل) والبيت هو:
|
قِلُّوا عليهمْ لا أبا لأبيكمُ |
من اللوم أو سُدُّوا المكان الذي سَدُّوا |
وهو جار مجرى المثل وما أكثر ما يستشهد به.
|
والحطيئة أهجر الهجائين وقد حبسه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما هجا الصحابي الجليل الزبرقان بن بدر بأبيات منها البيت المشهور:
|
دع المكارم لا ترحل لبُغيتها |
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي |
(أي المطعوم المكسُوّ) وتشفّع للزبرقان عند الحطيئة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما إلا أنه (الحطيئة) أخذته العزة بالإثم فقال:
|
أنا ابن بجدتها علماً وتجربة |
سلني بسعدٍ تجدني أعلم الناس |
سعد بن زيد كثيرٌ إن عددتهمُ |
ورأس سعد بن زيد آل شمَّاسِ |
والزبرقان ذناباهم وشرُّهمُ |
ليس الذُّنابى -أبا العباسِ- كالراس |
وكتب أبياتاً مشهورة يستعطف بها أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ليطلقه ومنها:
|
ماذا تقول لأفراخ بذي مَرخٍ |
زغب الحواصل لا ماءٌ ولا شجرُ |
ألقيتَ كاسبهم في قعر مظلمة |
فاغفرْ عليك سلامُ الله يا عمرُ |
وقرأنا في كتب النقد أن عمر رضي الله عنه طلب من (الحطيئة) أن يمتنع عن الهجاء فقال: إذن يموت عيالي جوعاً.. فقال له عمر رضي الله عنه:
|
فإذا هجوت فلا تخاير بين الناس فتقول: فلان خير من فلان وآل فلان خير من آل فلان.. قال النقاد: فإن ذلك أوجع وأقذع.
|
ونسبوا إلى الحطيئة أنه هجا أمه بقوله:
|
جزاكِ اللهُ شراً من عجوزٍ |
ولقّاك العقوقَ من البنينا |
تنحَّيْ فاجلسي منا بعيداً |
أراح اللهُ منك العالمينا |
أغربالاً إذا استُودعتِ سراً |
وكانوناً على المتحدثينا |
ألم أوضح لكِ البغضاء مني |
ولكن لا إخالُك تعقلينا |
حياتُك ما علمتُ حياة سوء |
وموتُك قد يسر الصالحينا |
وهجا زوجه بقوله: |
أُطوِّف ما أُطوِّف ثم آوي |
إلى بيت قعيدته لكاعِ |
واللكاع القبيحة اللئيمة.. وهجا نفسه عندما أبصر وجهه في المرآة فقال:
|
أرى ليَ وجهاً قبَّح الله شكلهُ |
فقُبِّحَ من وجهٍ وقُبِّح حاملُهْ |
وإلى القصيدة التي منها البيت موضع التعقيب، وهي في مدح آل شماس:
|
1- أَلا طَرَقَتنا بَعدَما هَجَدوا هِندُ |
وَقَد سِرنَ خَمساً وَاِتلأَبَّ بِنا نَجدُ |
2- أَلا حَبَّذا هِندٌ وَأَرضٌ بِها هِندُ |
وَهِندٌ أَتى مِن دونِها النَأيُ وَالبُعدُ |
3- وَهِندٌ أَتى مِن دونِها ذو غَوارِبٍ |
يُقَمَّصُ بِالبوصِيِّ مُعرَورِفٌ وَردُ |
4- وَإِنَّ الَّتي نَكَّبتُها عَن مَعاشِرٍ |
عَلَيَّ غِضابٌٍ أَن صَدَدتُ كَما صَدّوا |
5- أَتَت آلُ شَمّاسِ بنِ لأيٍ وَإِنَّما |
أَتاهُم بِها الأَحلامُ وَالحَسَبُ العِدُّ |
بدأ الحطيئة قصيدته بالغزل فتغزل بهند التي طرقته (جاءته ليلاً) بعدما هجدوا (ناموا) وأظنهم أهلها، وقد سرن خمساً واتلأب بنا نجد أي ظهر وسارت (الخيل والجمال) به خمس ليال إلى أن استقام واستقر بنجد، وإني لأظنه كاذباً فلا هند ولا هم يحزنون ولكنه كلام الشعراء.. ثم يمدح هنداً مستعملاً صيغة حبذا (حبذا هندٌ)، حبَّ: فعل ماض، ذا: فاعل، هند مبتدأ، وخبره جملة حبذا، أو خبر لمبتدأ محذوف تقديره (الممدوحة)، أو خبر والمبتدأ محذوف: الممدوحة، ويمدح هنداً وبلادها وبينه وبينها البعد البعيد، ولعله جاء عن طريق البحر في سفينة عالية ظاهرة.
|
وكان الحطيئة قد صد عن جماعتها كما صدوا عنه.
|
وينتقل إلى مدح آل شماس بن لأي أصحاب الأحلام، بمعنى العقول أو الأحلام ضد السفاهة، أو بمعنى الصبر والصفح عن المسيء، وأصحاب الحسب والنسب الشريف.
|
6- فَإِنَّ الشَقِيَّ مَن تُعادي صُدورُهُمْ |
وَذو الجَدِّ مَن لانوا إِلَيهِ وَمَن وَدّوا |
(الواو هنا لعطف الجُمل على الجمل ولذلك جاءت ذو بالرفع مبتدأ لا معطوفة على اسم إن)
|
7- يَسوسونَ أَحلاماً بَعيداً أَناتُها |
وَإِنْ غَضِبوا جاءَ الحَفيظَةُ وَالجِدُّ |
8- أَقِلّوا عَلَيهِم لا أَبا لأَبيكُمُ |
مِنَ اللَومِ أَو سُدّوا المَكانَ الَّذي سَدّوا |
ويسترسل في مدح آل شماس فيذكر أن من يعادونه يشقى ومن لانوا إليه وتوددوا فهو ذو الجد (الحظ السعيد) ويمدحهم بالحلم والأناة، وهما صفتان طيبتان مدح بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أشج بني عبدالقيس حين قال له: إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة.
|
والحلم يأتي بمعنى العقل، قال حسان رضي الله عنه:
|
لا بأس بالقوم من طول ومن غلظٍ |
جسم البغال وأحلام العصافيرِ |
كأنهم قصبٌ جوفٌ أسافلُهُ |
مثقّبٌ نفخت فيه الأعاصيرُ |
واختلاف حركتي روي البيتين يسميه علماء القافية (الإقواء) والأناة: التأني والرفق.
|
ونأتي إلى بيت القصيد (البيت الثامن)، فيطلب ممن يلوم آل شماس على أفعالهم الطيبة أن يقلوا اللوم عليهم أو أن يسدوا مسدهم (خانتهم) ومقارعة اللائمين كثيرة في شعرنا العربي وأغانينا العاطفية، وأختم بشواهد أتوسع بها:
|
|
عذل العاذلون فيك ولاموا |
كل لوم على المحب حرامُ |
يا مليحاً حوى الجمال جميعاً |
ومليحاً جماله لا يلامُ |
|
أقلي اللومَ عاذلَُ والعتابَنْ |
وقولي إن أصبتُ لقد أصابنْ |
|
يا لائمي في الهوى العذري معذرةً |
مني إليك ولو أنصفتَ لم تلُمِ |
|
يا لائمي في هواهُ والهوى قدرٌ |
لو شفَّكَ الوجدُ لم تعْذُلْ ولم تلُمِ |
وغنى الراحل طلال المداح لأبها: |
لا تلوموني في هواها |
قبل ما تشوفوا بهاها |
هي أمي اللي هويتها |
قلبي ما يعشق سواها |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
وغنى الراحل عبدالحليم حافظ (العندليب الأسمر):
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
وأخيراً غنى الفنان صابر الرباعي:
|
|
|
|
|
ومعلوم أن القرد في عين أمه غزال
|
|
نزار رفيق بشير- الرياض |
|