Al Jazirah NewsPaper Saturday  31/01/2009 G Issue 13274
السبت 05 صفر 1430   العدد  13274
هل يكره الأمريكيون الصهيونية؟!!!
د. عبد الرزاق بن حمود الزهراني

 

من الأقوال المشهورة للرئيس الأمريكي إبراهام لنكلن المشهور بتحرير العبيد، وبقيادة الشمال ضد الجنوب في الحرب الأهلية قوله: (ربما تستطيع أن تستغفل بعض الناس بعض الوقت، وربما تستطيع أن تستغفل كل الناس بعض الوقت، ولكنك لن تستطيع أن تستغفل كل الناس كل الوقت)

... وهذه المقولة تنطبق على الصهيونية ومقولاتها المختلفة التي حاولت أن تخدع بها الشعوب والأمم، وفي مقدمتها الشعب الأمريكي، إن المتابع لعلاقة أمريكا بإسرائيل يدرك أن أمريكا واقعة تحت النفوذ الصهيوني الإسرائيلي وليس العكس، وأن الصهيونية في أمريكا تشبه أي دكتاتور في العالم، حيث يملي إرادته على الآخرين من خلال أجهزة مختلفة، في مقدمتها الخداع الإعلامي، من يقترب كثيرا من الشعب الأمريكي يدرك أن وعيه بالنفوذ الصهيوني بدأ يتزايد، وأن هناك كراهية حقيقية عند نسبة كبيرة من الشعب الأمريكي لهذه الفئة المتنفذة، والمسيطرة على مقدرات البلاد، ولقد ظهرت كتابات كثيرة في هذا الشأن أبرزها كتاب (بول فندلي) (هؤلاء جرؤوا على الكلام) الذي ترجم إلى اللغة العربية تحت عنوان (من يجرؤ على الكلام؟) قبل أكثر من خمس وعشرين سنة، وقصة ظهور هذا الكتاب طريفة وظريفة، فقد كان فندلي سنتوراً عن ولاية ألينويز،وحدث أن اعتقل أحد أبناء الولاية في اليمن الجنوبي عندما كان تحت حكم الشيوعيين، فجاء والدا ذلك الشاب إلى واشنطن العاصمة وقابلا السنتور فندلي وطلبا منه أن يعمل على إطلاق سراح ابنهما، حزم فندلي حقائبه وجاء إلى الشرق العربي ومر في رحلته ببعض الدول، ومنها فلسطين المحتلة والمملكة العربية السعودية، ومن ثم ذهب إلى حكومة عدن لإخراج ذلك الشاب من السجن، وخرج به معه وسافرا سوياً إلى أمريكا، كانت تلك الرحلة سبباً في تزايد اهتمام فندلي بقضية فلسطين، وكان عضواً في لجنة الشؤون الخارجية في الكونجرس، وبدأ ينادي بعدم دعم إسرائيل بدون حدود، وأن من مصلحة أمريكا على المدى البعيد أن تنظر إلى القضية من أطرافها المختلفة، وأن تحاول تحقيق العدل والإنصاف، فالفلسطينيون كانوا هناك قبل قيام إسرائيل بآلاف السنين، ولهم امتداد كبير في العالم يتمثل في العرب والمسلمين، وفي تلك الفترة جاءت حملة انتخاب سنتور عن ولاية ألنويز، وكان فندلي ممثلاً للولاية لمدة اثنين وعشرين عاماً وكان له شعبية كبيرة لقربه من الناس، ومحاولة مساعدتهم في حل مشكلاتهم، ومن ذلك قضية إطلاق سراح الشاب الذي اعتقل في اليمن الجنوبي، ولكن (فندلي) فوجئ بخسارته من تلك الانتخابات، فعلم أن أيادي خفية كانت وراء ذلك، وأن موقفه من إسرائيل كان وراء تلك الخسارة، فطرح على نفسه سؤالاً عن مدى نفوذ اللوبي الصهيوني في أمريكا، وعن الضحايا الذين سبقوه في خسارة مواقعهم بسبب انتقادهم لإسرائيل أو اعتراضهم على الدعم غير المحدود لها، وبدأ يجمع المعلومات، وأخرجها في كتابه المذكور آنفاً، وجمع الكثير من الحكايات والقصص عن أناس فقدوا مواقعهم لهذا السبب، سواء أكانوا سياسيين أو صحفيين، أو معلمين، أو عسكريين أو غير ذلك، وأثبت تغلغل النفوذ الصهيوني في المؤسسات الأمريكية، وخاصة البيت الأبيض ووزارة الدفاع ومجلس الشيوخ، وعندما صدر ذلك الكتاب في طبعته الإنجليزية، كان ثالث أكثر الكتب مبيعا في أمريكا، وقد بحثت عنه آنذك في عدد من مكتبات العاصمة واشنطن، وكنت أجد نسخه قد نفدت، وقال بعضهم: إن الطلب على هذا الكتاب مرتفع، فهل كان الناس يشترونه ليعرفوا تغلغل النفوذ الصهيوني في أمريكا؟ أم أن المنظمات الصهيونية كانت تشتري تلك النسخ وتقوم بإعدامها؟ أم أنها مزيد من الاثنين؟ في تصوري أن الإجابة الثالثة أقرب إلى الصواب، أما الكتاب الثاني فعنوانه (الصحوة: النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية) من تأليف سنتور آخر هو (ديفيد ديوك) من ولاية ألبوما، وفيه الكثير من الحقائق والتوثيق عن النفوذ الصهيوني في أمريكا، وهو مترجم ونشر من قبل مكتبة المعرفة في دمشق ومكتبة العبيكان في الرياض، هذان سنتوران أمريكيان أبيضان، تم انتخابهما من قبل سكان ولايتهما، وليس لها علاقة بالفلسطينيين، أو بالعرب، ولكنهما أرادا أن يكون هناك إنصاف وعدل في النظر إلى القضايا المختلفة، ولعلي هنا أذكر موقفاً كنت شاهداً عليه، ففي عام 1981م كنت أدرس في جامعة ولاية كاليفورنيا في لوس انجلوس، وكنت قد انتهيت من دراسة اللغة الإنجليزية وبدأت في دراسة المواد المقررة في علم الاجتماع، في تلك الفترة كان (أندرو يانع) وهو من أصل إفريقي، يعمل سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة في فترة رئاسة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، وقد زار لبنان، والتقى بالزعيم الفسلطيني الراحل ياسر عرفات، وطالب من أمريكا أن تفتح حواراً مع منظمة التحرير الفلسطينية، فما كان من الإدارة الأمريكية إلا طردته من منصبه، وفي تلك الفترة دعي من قبل جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس إلى إلقاء محاضرة، ولأنه شخص مشهور، ويمكن أن يحضر عدد كبير تلك المحاضرة، فقد وضعوا منصة المحاضر عند مدخل إحدى مباني الجامعة وأمامها ميدان كبير مزروع، حضر الطلاب وغيرهم وافترشوا تلك الأرض، وقد مررت بالصدفة من تلك المنطقة ورأيت الحشد الكبير من الطلاب، وكان وقت الأسئلة قد حان، وقد اصطف الطلاب في صف طويل أمام لاقط للصوت، وكان ضمنهم شاب يهودي، يرتدي القبعة اليهودية الصغيرة في قفاه، فقررت أن أجلس مع الحشد لأسمع سؤال ذلك اليهودي، وإجابة السفير أندرو يانغ عنه، وعندما وصل إليه الدور، كان واضعاً يديه في إبطيه، قال: لقد قابلت ياسر عرفات في لبنان، ودعوت الحكومة الأمريكية إلى فتح حوار مع منظمة التحرير الفلسطينية!!! وأنت تعلم أن ياسر عرفات رجل إرهابي، وأن منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية؟ فصفق له الحاضرون بعض التصفيق، فوقف أندرو يانع بقامته الفارعة وقال: أنت تعلم أن عُمر إسرائيل لم يبدأ إلا في عام 1948م، وأن الفلسطينيين كانوا يعيشون في تلك الأرض منذ آلاف السنين، وأنهم يقاتلون من أجل حريتهم، أما حديثك عن الإرهاب، فهل تعلم أنه في عام 1948م ارتكبت مجزرة في قرية دير ياسين راح ضحيتها أكثر من مائتين وخمسين شخصاً من الأطفال والنساء والشيوخ، وأن جثثهم قد ألقيت في بئر؟ هل تعلم من كان يقود تلك المجزرة؟ إنه (مناحيم بيجن) رئيس وزراء إسرائيل اليوم، فصفق الحاضرون تصفيقاً مدوياً يمكن سماعه من الأحياء المجاورة، ويمكن لأي شخص أن يستنتج من ذلك أن نسبة كبيرة من المجتمع الأمريكي يكرهون الصهيونية، ويودون تطبيق العدالة والإنصاف، ولكن من يجرؤ على الكلام؟ إن الكثيرين من المسؤولين الأمريكيين يدرك حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، ولكنه يعلم أنه إذا وقف معها فقد موقعه مثلما فقد (بولي فندلي) موقعه، وهذه الحقيقة يدركها من تابع خطاب الرئيس أوباما الأخير بعد تنصيبه الذي قال فيه: إن على حماس إيقاف الصواريخ عن إسرائيل، ولم يقل شيئاً على طائرات إسرائيل ودباباتها وصواريخها التي قتلت الشيوخ والأطفال والنساء ودمرت المنازل ومتطلبات الحياة!!!، ولكن دروس التاريخ تعلمنا أن الله يهلك الظالمين ولو بعد حين، وأن الأيام دول بين الناس، فلا قوة تدوم ولا ضعف يدوم، وأن الحق لا بد أن ينتصر ولو بعد حين. وفي ضوء كلمة (لنكولن) التي افتتحنا بها هذا المقال نستطيع أن نقول: (إن الصهيونية تستطيع أن تخدع بعض الشعب الأمريكي بعض الوقت، وتستطيع أن تخدع كل الشعب الأمريكي بعض الوقت، ولكنها لا تستطيع أن تخدع كل الشعب الأمريكي كل الوقت) والمؤشرات تدل على أن الوعي بهذه الحقيقة بدأ يتزايد يوماً بعد يوم، ليس فقط في أمريكا ولكن في العالم كله، والله غالب على أمره ولو كره الكافرون، ولله الأمر من قبل ومن بعد.



Zahrani111@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد