Al Jazirah NewsPaper Saturday  31/01/2009 G Issue 13274
السبت 05 صفر 1430   العدد  13274
سوق الأسهم.. هل يعكس اقتصاد المملكة الحقيقي؟.. اقتصاديون لـ(الجزيرة):
الاقتصاد المحلي بدائي ويعتمد على سلعة أولية واحدة

 

الرياض - عبدالله البراك

يكاد يتفق المحللون أن أسواق المال يجب أن تكون مرآة للاقتصاد المحلي، فتعكس قوة الاقتصاد أو ضعفه، وفي المملكة يتساءل الكثير من المتداولين عن سبب اتخاذ سوق المال اتجاهاً مخالفاً للقاعدة الاقتصادية، ففي الوقت الذي يعيش اقتصاد المملكة أفضل مراحله خالفت أسعار الأسهم الاتجاه وهوت إلى قيعان متجددة.

سوق المال مرآة سلك مساراً مغايراً للمعطيات الاقتصادية، فرغم ميزانية الدولة التاريخية وفوائض غير مسبوقة بقي سوق الأسهم يسجل قاعاً جديداً بل يستمر في مساره الهابط.

فما هي الأسباب وكيف نفسر ذلك وهل هناك حلول للعودة إلى الانسجام بين سوق المال والوضع الاقتصادي في البلد؟

سوق المال السعودي يغرد خارج الاقتصاد

الدكتور عبد الرحمن السلطان أستاذ الاقتصاد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية قال: إن السبب الرئيس هو أن سوق الأسهم تجاوز أداؤه الأداء الاقتصادي في فترة 2004م و2005م ومع تراجعات أسعار الأسهم القوية في بدايات 2006م بسبب تضخم أسعارها بشكل قياسي جعلت سوق المال يدخل في تذبذبات، فالأسعار مبالغ فيها وفي المقابل بقاء العوامل التي أدت إلى تضخم أسعارها ولازالت على السطح، وأضاف السلطان: في اعتقادي أن السوق حالياً يعكس بشكل نسبي الأوضاع الاقتصادية المستقبلية ويمكننا تلخيص ما حدث في سوق الأسهم بأنه عدم قدرة على إدارة السيولة الاقتصادية الذي نتج عنها أيضا ارتفاع في أسعار العقارات ثم التضخم وارتفاع الأسعار).

الدكتور زايد الحصان استاذ الاقتصاد في جامعة الملك سعود ذهب إلى أن السوق فقد الهدف الأساسي منه وهو توفير التمويل اللازم وأصبح سوقاً تجارياً (شراء وبيع) كما أن أغلب الاكتتابات لا تمثل أي قيمة مضافة للاقتصاد المحلي وذلك لابتعاده عن وظيفته الأساسية من توفير التمويل للوحدات الاقتصادية بأنواعها وتركيزة فقط على المتاجرة في الأسهم وبعيدا عن مفهوم الاستثمار المالي الصحيح وهنا نجد أن علاوات الإصدار وطريقة تحديدها التي لا تتم على أساس اقتصادي سليم هي السبب في انحراف السوق عن هدفه الأساسي فعلاوات الإصدار لا تعتمد على دراسات جدوى اقتصادية تعكس الواقع الاقتصادي للشركة المعنية وبدلا عن ذلك ترك الأمر (لمساومات شركات الوساطة المالية) التي تؤدي في النهاية إلى هبوط أسعار هذه الأسهم إلى أسعار أقل بكثير عن أسعار الاكتتاب مما يؤدي إلى (توريط) الحاملين الجدد لهذه الأسهم وبالتالي انخفاض القوة الاستهلاكية لهؤلاء مما يؤدي إلى انخفاض النشاط الاقتصادي المحلي.

السؤال الأصعب: كيف نحول اقتصادنا إلى اقتصاد قوي ومتين؟

هنا يجب أن نعرف أولا ما هي مكونات الاقتصاد القوي أو المتين - والحديث للدكتور السلطان- ومن الصعب أن نطلقه على الاقتصاد السعودي الذي يندرج تحت الاقتصادات البدائية وهذه تطلق على كل اقتصاد يعتمد في انتاجه على سلعة أولية واحدة وهي إنتاج النفط وتستورد جميع السلع الأخرى، ويتابع السلطان بقوله: (هنا يتضح لنا الخلل، فعلى سبيل المثال نجد هناك منتجات لا تتذبذب مثل تذبذب السلع الأولية فلا يمكن مقارنة انخفاض أسعار الحاسبات الآلية أو السيارات بانخفاض أسعار النفط مثلا وهذا ما يجعل الاقتصاد عرضة لأي تقلبات في السوق العالمي).

وقال الدكتور عبد الرحمن السلطان: إن أي اقتصاد قوي هو الذي يعتمد في إنتاجه على التنوع الصناعي والخدمي ولا يعتمد على الصناعات الأولية وهنا استشهد بما قاله (مهاتير محمد) عندما زار المملكة في إحدى المناسبات الاقتصادية حين قال عن التجربة الماليزية: (لو اعتمدنا على إنتاجنا في ماليزيا على النفط والقصدير والمطاط لكان حجم اقتصادنا 5%مقارنة بحجمه الحالي) وهذا ما يعطي مؤشرا للاقتصاد السعودي إذا ما نوع من منتجاته الاقتصادية.

الدكتور الحصان ذهب إلى وجود سوق مالية متطورة هو إحدى الركائز الأساسية المعززة لتطوير الاقتصاد المحلي ولاسيما أن الاقتصاد السعودي يمر في الفترة الحالية بعملية تحول كبيرة حيث تبنت الخطة الخمسية الثامنة (2005م - 2010م) استراتيجيات تحويل الاقتصاد من تقليدي يعتمد على النفط كمصدر وحيد للدخل إلى اقتصاد معرفي يعتمد على الاستثمار في التقنية والتدريب والصناعات المتناهية في الصغر كتقنية النانو وقد أكدت خطط التنمية التاسعة (2010م - 2015م) على الاستمرار في تبني استراتيجيات الخطة الثامنة حيث بدأ العمل على الكثير من المشروعات العملاقة التي تحقق تلك الاستراتيجيات كمركز الملك عبدالله ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية وغيرهما من المشروعات.

ويضيف الدكتور زايد الحصان أن استمرار الدولة في برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي الذي تجاوز عدد المبتعثين الـ50 ألفا فيه حرص على توفير العنصر البشري المؤهل تأهيلا علميا عاليا وهو أحد متطلبات الاستثمار في التقنية المتطورة باعتبارها مجال التنافس بين الدول، واعتبر الحصان أن إنشاء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية الرافد الأساسي في هذا المجال وقد تم دعم هذا التوجه بإنفاق حكومي على البحث العلمي والتقني والتوسع في إنشاء الجامعات والكليات المتخصصة في مختلف مناطق المملكة.

وقال الحصان: (بالتأكيد أن التحول إلى الاقتصاد المعرفي لا يلغي الاستفادة من الموارد الطبيعية الأخرى والمتوفرة في المملكة كالبتروكيماوية والتعدينية كرافد اقتصادي قوي يضاف إلى تقنية النانو والمعلومات والاتصالات المتطورة).

الاتجاه إلى صناعة البتروكيماويات لا توفر تنوعا اقتصاديا للمملكة

اعتبر الدكتور عبد الرحمن السلطان أن الصناعة البتروكيماوية تسهم في رفع القيمة المضافة بالرغم من أنها لا تمثل تنوعا اقتصاديا، وقال يجب أن ننوه إلى أن الدعم الموجه لهذا القطاع خلق لدينا قطاعا غير كفؤ حيث إن إدارات الشركات اعتمدت على الفروقات في الأسعار لتحقيق الأرباح وأهملت الجوانب الأخرى.

أما الدكتور الحصان فيعتقد أن التوجه إيجابي ولكن الصناعة البتروكيماوية تعتمد على النفط بشكل أساسي وهنا نعود إلى أن التنوع لا يعتبر تنوعا في المنتجات الاقتصادية كما انه لا يمثل الخيار الاستراتيجي الأمثل في المستقبل المنظور حيث إن الزعامة الاقتصادية الجديدة لا تعتمد على مثل هذه الصناعات فعلى سبيل المثال نجد أن فنلندا تزعمت الاقتصاد المعرفي في السنوات القليلة الماضية معتمدة على التقنية والعنصر البشري المدرب وليس على الصناعات التقليدية.

ما هو العلاج الأنسب للاقتصاد البدائي؟

أجاب الدكتور زايد الحصان قال: (أنسب طريقة هي التنوع الاقتصادي الذي ينعكس بدورة صادرات متنوعة ويقلل من حجم الواردات وينتج عن ذلك نوع من الاكتفاء الذاتي في الكثير من المنتجات الرئيسية).

أما الدكتور عبد الرحمن السلطان فقال: أنسب طريقة هي تنويع المنتجات ويجب أن ننظر من منظرين ففي البلدان التي تتوفر فيها الموارد الاقتصادية الأخرى معاقة وكل نشاط آخر ينشئ يكون نشاطا طفيليا فالقطاع الخاص مثلا يعتمد على الإنفاق الحكومي الذي بدوره يعتمد على الإنتاج النفطي ومع تراجع أسعار النفط يتراجع الإنفاق الحكومي الذي يتسبب في انهيار القطاع الخاص ومن ثم تنعكس في تراجع الناتج المحلي وطالما سرت هذه المعادلة وستفشل أي نشاط آخر ولكن إذا ما استعرضنا التجربة النرويجية التي نجحت في هذا التحدي عن طريق عزل القطاع النفطي وبهذا حمت القطاعات الأخرى وجميع الأنشطة الاقتصادية كما أن العزل لم يؤثر على سياسة الضرائب والإنفاق الحكومي فنجدهم أنشأوا صندوقا لإيرادات النفط تستثمر خارج النرويج وهذا هو التحدي الصعب.

لماذا لا نشاهد جهات أكاديمية والجهات الخاصة تسهم في إطلاق معايير ومؤشرات اقتصادية تفيد المواطن لاتخاذ القرار أسوة بالدول المتقدمة؟

يعتقد الدكتور عبد الرحمن السلطان انه محدود وإذا ما تأخر فالتأخير لا يتجاوز الشهرين وقال ان مشكلتنا الاساسية تكمن في عدم القدرة على إدارة السيولة بشكل سليم وهذا ما سبب مشاكل اقتصادية عدة.

أما الدكتور الحصان فذهب إلى أن القطاع الخاص مارس نوعا من دوره عن طريق توفير التمويل اللازم لمراكز البحوث وكراسي البحث العلمي في الجامعات التي تقوم بتبني الخبرات والكفاءات العلمية الوطنية من علماء وباحثين حيث يتم استثمار نتائج أبحاثهم من قبل القطاع الخاص مما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني.

ما ينتظر أبناءنا بعد أن يستغني العالم عن النفط؟

أجاب الدكتور السلطان قائلا: (في الحقيقة نحن أمام جريمة أخلاقية بحقهم فيجب أن نوفر منتجات اقتصادية أخرى غير النفط والسلع الأولية لنبني اقتصادا متينا ويخدمهم مستقبلا كاقتصاد صناعي وخدمي يوفر لهم العيش الكريم).

أما الدكتور الحصان فقال: لاشك أن الاقتصاد المعرفي بتنوعه الخدمي والتقني والمعرفي سيوفر ملايين الوظائف التي تحتاج إلى تأهيل مناسب يشارك القطاع الخاص فيه الحكومات بتوفير العنصر البشري المدرب وفق آلية التدريب على رأس العمل والذي يعتبر أحد أهم وسائل تطوير الخبرات الوطنية حتى تستمر في العطاء والتطور.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد