Al Jazirah NewsPaper Monday  02/02/2009 G Issue 13276
الأثنين 07 صفر 1430   العدد  13276
خيار ساركوزي
دومينيك مويزي

 

باريس - من القوقاز في أغسطس - آب 2008م إلى الشرق الأوسط في يناير - كانون الثاني 2009، تُرى هل تحاول فرنسا - تحت زعامة الرئيس نيكولا ساركوزي - تجسيد ما نستطيع أن نطلق عليه (الغرب الافتراضي)؛ فتستغل إلى الحد الأقصى الفرصة المتاحة أثناء فترة التحول الرئاسي في أمريكا، أم هل يحاول ساركوزي ببساطة الاستفادة من ظهوره على الساحة العالمية لتعزيز شعبيته في الداخل، حيث يواصل أغلب المواطنين الفرنسيين دعمهم للزعامة الدبلوماسية النشطة التي يبديها رئيس بلادهم؟ ورغم فشل محاولته لتنسيق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، ألم يكن من الصواب أن يحاول؟

إن تصميم ساركوزي على العمل، على الرغم من الصعاب، يشكل - في نظر الفرنسيين - موقفاً متفوقاً على سلبية هؤلاء الذين يدعون إلى النكوص أو الذين يحاولون إرضاء أنفسهم بكلمات جوفاء.

وبصرف النظر عن أثرها على الشرق الأوسط فإن محاولة ساركوزي الشجاعة، على الرغم من فشلها في الوساطة، تشكل نافذة مهمة تطل على أساليب السياسة الخارجية وطموحات فرنسا اليوم. والسؤال الأساسي الذي يدور حول دبلوماسية ساركوزي هو إذا ما كانت هذه الدبلوماسية تعكس إستراتيجية محددة جيداً استناداً إلى رؤية واضحة للعالم أم أنها مجرد تعبير عن توجه عملي ماكر يوظف الغريزة السياسية الحريصة في الداخل في مجال الشؤون الخارجية؟

الحقيقة أن الإجابة بعيدة كل البعد عن الوضوح، وربما تتألف من مزيج بين الاحتمالين؛ فمن المعروف أن ساركوزي رجل ميال إلى اتباع غرائزه، وهو لا يحاول وضع النظريات بشأن ما ينبغي القيام به، بل إنه يفعل ما يتبادر إلى ذهنه ببساطة، دون أي تحيز إيديولوجي أو قيود.

ولكن مع مرور الوقت يستشعر المرء ظهور شيء أشبه بنزعة فرنسية جديدة في تعريف الذات، والتي ربما تكون النزعة الأكثر ارتباطاً بالغرب في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة؛ فأثناء ترشيحه لمنصب الرئاسة كثيراً ما كان يوصف بلقب (ساركوزي الأمريكي)، وهو التعبير الذي ألمح إلى أسلوبه في التصميم على العمل، وتذوقه للتأنق والحلي، والأسلوب الأمريكي البحت الذي استخدم في إطاره تاريخه الشخصي لاكتساب تأييد الناخبين، بيد أننا الآن نستطيع أن نطلق عليه وصف (ساركوزي الغربي).

وهذا لا يرجع فقط إلى رغبته في حمل فرنسا على العمل، من القوقاز إلى الشرق الأوسط، بالنيابة عن أوروبا وباسمها شخصياً، في وقت تقاعست فيه أمريكا عن القيام بدورها. ولم يكن هذا ببساطة نتيجة لقرار ساركوزي التقريب بين فرنسا والولايات المتحدة، وهو التحرك الذي قد يبلغ أوجه رمزياً بعودة فرنسا إلى الكتلة العسكرية ضمن منظمة حلف شمال الأطلنطي في إبريل - نيسان 2009م؛ فبنظرة أكثر تعمقاً نستطيع أن نقول إن الدبلوماسية التي ينتهجها ساركوزي تعكس التغيرات التي طرأت على الكيفية التي يرى بها الرئيس الفرنسي مفهوم (الغرب) في عالم اليوم الذي تحكمه العولمة؛ فأثناء عهد شارل ديغول كانت فرنسا تجمع بين إخلاصها لقضية الغرب في وقت الأزمات وبين رغبتها القوية في تعزيز استقلالها الدبلوماسي وحريتها في المناورة. ورغم اختلاف الأساليب بين فاليري جيسكار ديستان وفرانسوا ميتران إلا أنهما كانا أقرب إلى النزعة (الأوروبية) وليس (الغربية).

ولا ينسحب نفس القول على ساركوزي، رغم أنه يزعم العكس. ومن هذا المنظور فليس من قبيل المصادفة أن نرى تقاربه مع بريطانيا العظمى وتباعده الملحوظ عن ألمانيا.

في هذا العالم حيث تضاءل دور أمريكا بسبب صعود الصين والهند وعودة روسيا، وحيث تضاءل دور أوروبا على الصعيدين الدبلوماسي والاستراتيجي (بسبب الشلل المؤسسي)، إن لم يكن على الصعيدين الاقتصادي والثقافي أيضاً، فإن فرنسا - طبقاً لتعبير ساركوزي - لابد أن تُعرِّف ذاتها بوضوح باعتبارها جزءاً من الغرب.

وكما بات من اللازم الآن تحليل، بل ربما إعادة تعريف مفهوم (الغرب) في القرن الحادي والعشرين، فإنه يتعين على فرنسا أيضاً أن تلعب دوراً مركزياً في عملية إعادة التقييم هذه. هل يشكل الغرب مفهوماً تحدده في المقام الأول ثقافته السياسية، بمعنى الديمقراطية وحقوق الإنسان، أو تحدده أبعاده الثقافية بما في ذلك الدين، أو تحدده أبعاده الدبلوماسية والاستراتيجية فحسب؛ أي في مواجهة صعود قوى جديدة؟

إذا كان لمفهوم الغرب أن يتحول إلى حجر زاوية جديد للهوية الدبلوماسية الفرنسية، فلا بدَّ من توظيفه بقدر من الحكمة والاعتدال، حتى ولو كان وصول أوباما إلى البيت الأبيض من المرجح أن يحسن من صورة الولايات المتحدة باعتبارها القوة الغربية الأولى. الحقيقة أن فرنسا لا تنتمي إلى نفس الفئة التي تنتمي إليها الولايات المتحدة من حيث القوة والنفوذ، فضلاً عن ذلك فلسوف يكون من عجيب المفارقات أن يؤدي مفهوم (الغرب) في واقع الأمر إلى تقزيم المثل الأعلى لأوروبا بمجرد إعلان أمريكا عن استعدادها لطلب المساعدة من حلفائها.

دومينيك مويزي أستاذ زائر بجامعة هارفارد ومؤلف كتاب (الجغرافيا السياسية للعواطف)
خاص بـ (الجزيرة)



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد