Al Jazirah NewsPaper Monday  02/02/2009 G Issue 13276
الأثنين 07 صفر 1430   العدد  13276
لهذه الأسباب ستستمر بطالة السعوديين؟
د. محمد بن فهد القحطاني

 

اضطررت في مطلع الأسبوع المنصرم إلى زيارة مكتب العمل بالرياض للمرة الأولى في حياتي.. وكان هدف الزيارة إنجاز بعض المعاملات الخاصة بزوجتي التي هي سيدة أعمال ومتحمسة لتوظيف شباب سعوديين للعمل في مؤسستها التجارية كواجب وطني ومسؤولية اجتماعية في المقام الأول ولأسباب اقتصادية حيث إن الكلفة الإجمالية للعمال المواطنين أضحت أقل بكثير من نظرائهم الأجانب.. في البداية رفضت بشدة أن أذهب لمراجعة أية إدارة حكومية بسبب البيروقراطية والروتين القاتل ودائماً أصر على أن تقوم زوجتي بإنجاز معاملاتها بنفسها من خلال زيارة الأقسام النسائية، لكن مكتب العمل حالة خاصة حيث لا يوجد قسم نسائي ولا تستطيع مراجعة المكتب بنفسها فلم يسعها والحال كذلك إلا أن تضغط عليَّ وبشدة أن أذهب للقيام بالمهمة مكرهاً أخاك لا بطل ولا سيما أنني أحاول قدر المستطاع أن أقلص زياراتي للدوائر الحكومية التي أشعر خلال دخولي فيها بالاختناق وضياع الوقت.. بعد نقاش وحوقلة وإحباط من واقع قطاع الأعمال النسائي المقيد ليس فقط بالعادات والتقاليد بل بواقع الأنظمة وممارسات الأجهزة الحكومية عزمت على الذهاب وأخذت معي أحد كتبي للقراءة والاطلاع والاستفادة من الوقت المهدر، وصلت في الصباح الباكر إلى مقر مكتب العمل المحاط بزحام شديد اختلط فيه الباعة والكتّاب المحيطون بمكتب العمل بالمراجعين بشكل يشبه المهرجانات والمناسبات التسويقية ودخلت فوراً إلى صالة كبيرة كُتب عليها (توظيف السعوديين).. سألتُ عن مشرف الصالة فأرشدني رجل الأمن إلى المدير وإذا هو منهمك في حديث مع أحد الشباب الذين يحملون الملفات الخضراء فوقفت على مقربة أستمع للمحادثة وقلبي يكاد ينفطر من حالة الانكسار والإحباط التي أضحت مصير شبابنا، قال الشاب بصوت منكسر: أنتم وجهتموني للعمل في شركة تقع في المنطقة الصناعية ولقد أمضيت يوم أمس بحثاً عن هذه الشركة دون أن أجد مقرها فزجره المشرف بصوت مرتفع: وهل تتوقعني أن أذهب معك للبحث عن مقر الشركة، نحن انتهت مسؤوليتنا بتوجيهك للعمل ولا نستطيع بذل المزيد فانصرف الشاب الباحث عن العمل وكأني أشعر بالحرقة والغضب الذي يعتريه.

أرشدني مشرف صالة التوظيف إلى صالة المنشآت وتوجهت إلى أحد باحثي التوظيف الذي ما انفك يتحدث عبر هاتفه المحمول ومكتبه مكتظ بالمراجعين.. وبعد انتظار طويل توجه لي وسأل عن حاجتي فذكرت له أن زوجتي لديها مؤسسة وترغب في توظيف مواطنين للعمل لديها فأرشدني للذهاب إلى صالة تسجيل المنشآت وكانت الساعة تشير إلى الساعة الثامنة والنصف صباحاً.. ذهبت إلى المكتب المخصص لتسجيل المنشآت وهو عبارة عن صالة كبيرة فيها سبع نوافذ صغيرة غُطت حوافها بعازل بحيث لا يستطيع المراجعون التلصص وملاحظة ما يجري خلف الكواليس، أخذتُ جولة سريعة على جميع النوافذ علني أرى أحد الموظفين لأساله عن المتطلبات والإجراءات ولكن دون جدوى فعلى الرغم من كثرة المراجعين الواقفين في صفوف طويلة لم يكن على النوافذ موظف واحد يرشد الناس وينجز معاملاتهم وكانت رائحة الفول بالزيت والخبز الساخن تنتشر بشكل فاضح لكنني كذّبتُ حاسة شمي ولا سيما أن مسؤولي وزارة العمل قد جعلوا توظيف المواطنين هدفاً إستراتيجياً لا يمكن التفريط فيه.. بعد انتظار طويل توجهت لمكتب المدير لأساله عن مصير موظفيه وقابلني سكرتيره الذي طلب مني الانتظار حتى يرى إذا كان لديه قائمة طلبات تسجيل المؤسسة لدى مكتب العمل وغاب لبرهة ليعود ويصحبه أحد زملائه وقام بفتح درجه مما سرَّني لأنني اعتقدت بأن الفرج قادم، لكن آمالي تبددت حينما أخرج علبة الحليب ليقوم بتبادل كأس الشاي بالحليب مع زميله وأرشدني بالعودة مرة أخرى للصالة سيئة الذكر وأخبرني بأن عليّ الانتظار حتى ينهي الموظفون فطورهم الصباحي فهم يختبئون في غرفة الإفطار الخلفية البعيدة عن الأنظارعلى حد قوله.. حينها عدت إلى الصالة الواقعة في الطابق الثاني وكانت الساعة تقترب من التاسعة وبدأ الزحام يحتدم على النوافذ علمت بأن الموظفين قد أنجزوا المهمة الصباحية وحان وقت الالتفات للمراجعين وكان جميع المراجعين الواقفين أمامي يحملون طلبات استقدام في حين أن معاملة زوجتي تكاد تكون الوحيدة التي تطلب توظيف مواطنين، لكن مع الأسف الشديد لم يشفع التوسل والاستجداء مع الموظف المختص الذي أكدتُ له بأنني في مهمة وطنية شريفة وطلب مني قائمة طويلة من المتطلبات التي يجب علي أن أستوفيها حتى أتمكن من تسجيل المنشأة في مكتب العمل. عدتُ في اليوم التالي وبعد انتظار طويل وخطوات بيروقراطية طويلة أنجزت المعاملة وكان يحدوني الأمل أن أجلب الفرحة لشريكة حياتي التي منذ الصباح الباكر تتصل وتكرر الاتصال علني أزف لها الخبر المفرح، إلا أن فرحتي تبددت عندما اكتمل ملف المعاملة بشهادة الموظف المختص لكنه أخبرني بأنه لا بد أن أبرز له وكالة شرعية من زوجتي تخولني باستلام المعاملة وذلك حسب قوله: تعليمات وكيل الوزارة الذي يمنع تسليم أية معاملة خاصة بالنساء إلا بعد إحضار الأوراق الشرعية المطلوبة، ذكرت له إذا كان بالإمكان أن تأتي زوجتي لاستلامها بنفسها من هنا أو من القسم النسائي فأجاب بالنفي مما دفعني للقول بصوت مرتفع: كان الله في عون زوجتي وبقية سيدات الأعمال وخرجت من مكتب العمل وأنا ساخط على البيروقراطية الحكومية التي تضر بالاقتصاد وقطاع الأعمال.

أرفع هذه الملاحظات الشخصية لمسؤولي وزارة العمل علهم أن يذللوا الصعاب التي تعترض توظيف المواطنين السعوديين ويتحققوا من المشاهدات التي رصدتها من واقع زياراتي المحدودة لمكتب العمل بالرياض، بل إن الأدهى الذي لاحظته هو تلك العبارة التي كتبت بخط كبير في لوحة معلقة على حائط صالة تسجيل المنشآت التي تقول بالنص: الإخوة المراجعون.. حفاظاً على وقتكم الثمين نرجو التوجه لأحد مكاتب الخدمات المتواجدة بمنطقة الرياض وأعلم أنها لم تحصل على هذا الترخيص إلا لخدمتكم......، (وذلك لمعرفتهم بالإجراءات المتبعة في الدوائر الحكومية).. وأنا أثير التسأول التالي: ألا قد يكون هناك تضارب في المصالح بين طبيعة هدف المكتب ومنافع الموظفين الشخصية؟

* أستاذ الاقتصاد المساعد، معهد الدراسات الدبلوماسية
mqahtani@ids.gov.sa



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد