Al Jazirah NewsPaper Monday  02/02/2009 G Issue 13276
الأثنين 07 صفر 1430   العدد  13276

دفق قلم
الرحَّالة أحمد بن ماجد
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

هنالك شخصيات إسلامية ذات أثر كبير في بناء حضارة الأمة، تستحق أن يُسلَّط عليها ضوء البيان والإيضاح لأنَّ في حياتها ما يمكن أن يُسْهِم في بناء نفوس الأجيال بناءً جاداً مفيدا.

ولعل من أهم تلك الشخصيات شخصية الرحَّالة ابن ماجد فيما يتعلَّق بجوانب الأبحاث المتعلقة بالجغرافيا وخرائط البحار والبلدان، وما يتعلَّق بذلك من أقيسةِ الطول والعرض الدقيقة وربط ذلك كله بعظمة الخالق سبحانه وتعالى، وباتجاه القبلة لخدمة المسافرين المسلمين في أنحاء الكرة الأرضية، لقد كان لأحمد بن ماجد في هذا المجال من البحوث والدراسات العلمية الدقيقة ما خدم به البشرية كلَّها، والعالم الإسلامي على وجه الخصوص.

كنت أتحدث إلى الأخ الكريم الصديق (عبد الحليم زيدان) عن هذا الموضوع فدلني على منظومة طويلة نظمها ابن ماجد، معبراً فيها عن حقيقة هدفه في هذه الحياة، ومشاعره نحو هذه الدنيا، ومصوراً فيها أمله أن يكون - بما نشره من بحوث وكتب ومقاييس في هذا المجال - قد حقَّق جزءاً من هدفه الكبير في خدمة أمته المسلمة.

يقول في مطلع المنظومة:

سهرت وغيري فارغ البال هاجع

غرام، بمثلي كيف تهنا المضاجع

وهي منظومة مشحونة بأقيسة الكون، ومسارات النجوم والكواكب وحركة البحار، ونظام الأفلاك والكائنات، وإن كانت من باب النظم العلمي الخالص، إلا أن فيها نفحات عاطفية خاصة بأحمد بن ماجد يمكن أن تسمى بها قصيدة، وقد أشار فيها إلى عددٍ من السِّمات المهمة في مسيرة الإنسان الجاد المنتج الذي لا ينظر إلى الحياة على أنها لعب ولهو ولذائذ وإنما هي عمل دؤوب وتعب ونتائج، فهو يتحدث في منظومته عن أن الإنسان الذي يبيت وهمه بين عينيه لا يستطيع أن ينام أو يهجع حتى ينجز مهمته، أما غيره من الخاملين فلا يعاني من ذلك، وفي كلماته ثقة ثابتة قوية رصينة بنتائج أقيسته وأبحاثه ولذا فهو يقررها بما يشبه التحدي، ولكنه لا يطلب من تلامذته أو من الدارسين لبحوثه أن يأخذوها كما هي، بل يدعوهم إلى الدراسة والتأمل والتجريب الذاتي، والدخول بالتدرج للاختبار والتجريب، ويضع بين أيديهم المقاييس التي وصلوا إليها ليستعينوا بها.

من هو الرحالة ابن ماجد؟

هو شهاب الدين أحمد بن ماجد النجدي، ينحدر نسبه من بدو شمال الجزيرة العربية وقد عاش في مطالع الثلاثينات من القرن التاسع الهجري على الساحل الجنوبي من الخليج العربي بمنطقة (جلفار) المعروفة الآن ب(رأس الخيمة) إحدى إمارات دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد لقب بليث البحر لبراعته في ركوب البحار، حيث تمتع بشهرة كبيرة في مجال الاستكشافات البحرية لأنه من أسرة عرفت بقيادة السفن وركوب البحار.

لقد اعتنى علماء الغرب بابن ماجد وأفردوا له دراسات تتبعوا من خلالها آثاره الملاحية وكتبه الأدبية، وأطلقوا عليه (الباحث عن الحقيقة) من بين الرحالة البحريين، وأكبر البحارة في غرب الهند مدعاة للثقة.

لابن ماجد حوالي أربعين كتابا، في الجغرافيا والأدب، ومنها عدد من المنظومات والأراجيز. إن العناية بمثل هذه الشخصية مهم في مسيرة التربية الجادة للأجيال.

إشارة:

تاريخ الأمة عريق، يحتاج إلى من يرسم الطريق


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد