Al Jazirah NewsPaper Tuesday  03/02/2009 G Issue 13277
الثلاثاء 08 صفر 1430   العدد  13277
الحقيقة العربية المرة!
رمضان جريدي العنزي

 

نحن العرب لا نملك أسلحة دمار شامل، ولا قنابل نووية، ولا قوة ردع جبارة، ولا حاملات طائرات، ولا قاذفات قتالية كالتي تشبه B52، ولا صواريخ عابرة للقارات، ولسنا من الدول الدائمة في مجلس الأمن، ولا نملك حق الفيتو، لكننا في الوقت نفسه نملك (الكراهية) بتفوق..

نعم الكراهية ولا غيرها، إنه بعد أن تحوَّلت المجتمعات العربية إلى مجتمعات متفرقة ومتباعدة ونشأت الدول والكيانات السياسية لاحقاً، أصبحت هذه الصفة البغيضة جزءاً أساسياً من تركيبة هذه الهيكلة وهذا التنوع وأخذت أشكالاً وألواناً متعددة حسب ما تقتضيه الحاجة كالادعاء بتفوق عرقي أو روحي أو ديني أو حضاري، إن الكراهية تحوَّلت لدينا نحن العرب إلى أيديولوجيا بل ركيزة من ركائز وجودنا وحركتنا في الزمان والمكان، إن الكراهية لدينا نحن العرب ظلت حاضرة على الدوام يرتفع منسوبها وينخفض حسب ما تقتضيه المصلحة والحاجة والقوة أو الضعف، نحن العرب نكاد أن نكون نموذجاً في إنتاج الكراهية حتى لكأنها تبدو طاغية إلى درجة تلغي معها حدود العقل والتصور والتصديق، إن هذه الكراهية تحوَّلت لدينا نحن العرب إلى سلاح يشبه سلاح التدمير الشامل للذات لأننا عاجزون أصلاً عن تدمير الآخر، إن العالم الآخر المستقر نفسياً ومعنوياً بإمكانه أن يتركنا نُدمِّر بعضنا البعض حتى يقضي بعضنا على الآخر كالوحوش المفترسة دون أن يحرِّك ساكناً، ودون أن ينشغل بنا وبقضايانا وشؤوننا، لكنه ولحسن حظنا نحن العرب أننا نملك موقعاً حساساً وحيوياً وإستراتيجياً وجغرافياً وخطاً فاصلاً بين - الشرق والغرب - ومخزوناً هائلاً من البترول والثروات المعدنية المتعددة الأخرى الذي لا غنى للآخر عنه مطلقاً، لا شك أن الحاجة الضرورية والملحة لهذا النوع من الطاقة والثروة هو الذي دفع الآخر لأن يحمينا من أنفسنا، لقد كبرت الكراهية في نفوسنا نحن العرب حتى أصبحت أحد مكونات الهوية لدينا شكلاً وأحقية، إن ما نمر به الآن نحن العرب من ويلات وصراعات ومشاحنات وبغضاء وسوء نية وسوء مقصد وفساد أعمال وشعارات جوفاء وحركات وتعدد أحزاب وتعدد جماعات وسواد عنصرية ولغات تخوين وخطابات تحريض وادعاء بطولات مزيفة ونفش ريش وتقليد مشي الطواويس وهرطقة فكرية وعنتريات ومحاولة القفز فوق الحواجز وتكبير الذات وجعل الأشياء القزمة بحجم الأشياء العملاقة، كل هذه الأشياء تنم عن أنه ما زال في نفوسنا نحن العرب شيءٌ من كوارث النازية والفاشية دون محاولة إلغائها وإذابتها من وجودنا الإنساني، إن اليابانيين حوَّلوا الكراهية للأمريكان إلى طاقة منتجة بتفوق بعد أن فكروا بعقل حكيم ومنطق سليم حتى أصبحت اليابان قوة اقتصادية عظمى يُشار إليها بالبنان وكذلك فعلت ألمانيا، إنني أعرف جيدا أن هذين المثالين الياباني والألماني لا يروقان لكثير منا نحن العرب لأن الكراهية متأصِّلة بقوه لدينا ومتجذِّرة، إننا إذا أردنا نحن العرب أن نتعامل مع العالم الآخر بالندية وبالتفوق علينا أولاً أن نريح أنفسنا من هذه الصفة النتنة، ومن ثم علينا أن نعمل بجدية متناهية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً وبيئياً، وأن نتعامل مع المنجزات الحضارية التي دخلت في أدق مفردات حياتنا واستثمارها الاستثمار الحسن، إن العواطف الجياشة لا تنتج الأشياء مطلقاً، بل العقول هي التي تنتج ،وهي التي تخترع، وهي التي تساهم، فهل نجد أنفسنا نحن العرب ذات مرة قادمة وقد تحوَّلنا إلى شيء يُذكر في عالم التكتلات والتفاهمات الدولية الرهيبة؟؟.



ranazi@umc.com.sa

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد