Al Jazirah NewsPaper Tuesday  03/02/2009 G Issue 13277
الثلاثاء 08 صفر 1430   العدد  13277
المناصحة وفتاوى الضلال
د. وحيد بن حمزة عبدالله هاشم

 

نجحت المملكة في برنامج المناصحة الوطني لتصحيح ومن ثم توجيه البعض من المواطنين الذين تعرّضوا لفكر ضال، أو نصائح مغرضة أو فتاوى مضلّلة. هذا ما أعلن عنه رسمياً وما لمسه الجميع عملياً وواقعياً في السنوات الثلاث الماضية. الحقيقة هذه تثلج قلوب المواطنين في ذات الوقت الذي تقلق بال زعماء العنف والضلال، الذين وجدوا من يتصدّى لهم قلباً وقالباً، قولاً وفعلاً.

من هنا يمكن الجزم بأنه لن يفلح ولن ينجح أهل الفتاوى المنحرفين إلى أقصى اليمين، أو حتى الضالين إلى أقاصي الشمال، في اللجوء إلى أساليب الإقناع المزيّفة أو العنتريات الخاطئة أو الفتاوى المفبركة. فالوطن جزء من العالم، وعالم اليوم لم يعد بذلك العالم الجاهل الغامض الذي يمكن التلاعب به باستمرار التخفي في بعض طرقاته ودهاليزه وسراديبه العتيقة.

حقيقة أكدتها الجهات الأمنية المسؤولة في المملكة، تؤكد أنّ المعلومات أياً كانت مصادرها، ومهما كانت قادرة على مداعبة العواطف والمشاعر الجياشة، فإنها ما تلبث وأن تتضح حقائقها ما ان يتم التأكد منها والتقصي عنها بأساليب العصر الحديث المعلوماتية التي يمكن التأكد من صحتها بوسائل عديدة مختلفة.

لذا يمكن القول إنّ البعض من المنظرين القاصرين أو المؤدلجين المتطرفين الذين دأبوا وحرصوا على تغيير وتشويه معالم الواقع أو الحقيقة أو طمسهما، لن يجدوا في الوطن أو في عالم اليوم من ينصت ويستمع لهم دون تساؤل وجدل، ولن يجدوا من ساعدهم على إيجاد مبرّر واحد يمكن استخدامه كوسيلة لتحقيق غاية ضالة، أو كمبرر لتبني وسيلة خاطئة تحقق غاية مجهولة أو مصطنعة أياً كانت الغاية أو الوسيلة خصوصاً إذا ما تعلّق أمرها التحريض على ارتكاب أعمال العنف، أو شن عمليات إرهابية على أي دولة عربية أو إسلامية.

نعم لقد ضلّ البعض ممن يعتقدون أنّ بقدرتهم الإفتاء عن حقيقة الواقع الذي يعيشون فيه، بعد أن ضاعوا في متاهات الجدل والحقد والبغض والكراهية فاعتنقوا فكر الرفض وتملّقوا نظرية المؤامرات على الإسلام والمسلمين، فأرهقوا عقولهم واستلبوها بأنفسهم ومن ثم سخّروها لاستلاب من ضعف قلبه أو شاط عقله من الشباب فتقوقع الجميع في صومعة الرفض أو التزمت ليهبطوا إلى حضيض الفكر المتدني الذي يفرز مخاطر وسلبيات أكثر وأخطر في الفكر والمسلك.

البعض من الحاقدين فقدوا الثقة في كل شيء حتى في أنفسهم، ففسحوا المجال واسعاً لمن يعمل على اختراق عقول الضعفاء والمهزوزين من المحسوبين على الأمة أو حتى من أعدائها، فالتزمت في الفكر والتقوقع في المسلك والعزلة في العقلية وتبنِّي منطق الرفض والتلاعب بالفتاوى، تتبوأ طليعة الأسباب التي حدت إلى ضياع وتخلّف كل من ارتضوا بالمضي قدماً في مسارات الخطأ والزلل المكين.

ولعل التزمت في الرأي والانفرادية في الفكر والتوجه والمسلك والحرص على فرض وجهات النظر بالقوة على الآخرين، ومنعهم من ممارسة حق التعبير عن آرائهم أو ممارسة حقوقهم المشروعة، نتاج طبيعي لتنامي مستوى التجمد المتأصل في الوعي الإنساني والسياسي، بل وحتى التجمد الأعمى في الوعي الديني بعد أن دخلت زعامات الضلال في متاهات صومعة العقل، بل وتاهوا في بروج المثالية النكرة والخيال الأعمى.

ذلك الوضع الفكري المتطرف كان له دور كبير في حراك ومن ثم حركة التجييش الفكري والعقائدي السلبية، التي عانى منها العالم الإسلامي الشيء الكثير، وسمحت لأعدائه بتوظيفها واستثمارها ضده، كما وساهم فكر التزمت في تنامي عمليات الاستلاب الفكري المنحرفة التي مارسها زعماء الفتاوى والضلال حيال كل شاب خاوي الوفاض أو خاوي العقل، فنجحوا مؤقتاً مع البعض من الشباب المندفع.

بيْد أنّ التطرف الذي يمارئ الغلو في الشيء لا يمكن أن يستمر طويلاً، خاصة في حال وجود إصرار على الإمعان في التحرك الفكري والسلوكي الخاطئ إلى أقصى اليمين ما إن تصعب رؤية الواقع بأكمله، وبعد أن يستحيل التعرف على أفكار ومعتقدات الآخرين ومن ثم التفاهم أو حتى التعامل معهم، فتحدث المصادمات والمماحكات التي تؤثر سلباً على الجميع.

نعم لا شك أنّ من يناقض قاعدة الحياة الإنسانية الطبيعية القويمة المستقرة مصيره الزلل والضياع والخنوع، ليس وحسب لكونها قاعدة تدعو إلى الاعتدال في الآراء والأفكار والتوجهات، وإنما تطالب بضرورة الاتزان في المعتقد وفي المسلك وفي الحراك والتوجه من هنا فإنّ الشذوذ عن قاعدة الحياة الطبيعية ومحاولة الخروج عن مسارها الصحيح، يعني بذات المنطق القياسي رفض منطق الإسلام الوسطي ومساره المعتدل، وهي الحقيقة التي يؤكدها حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: (خير الأمور أواسطها).



drwahid@email.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد