Al Jazirah NewsPaper Friday  06/02/2009 G Issue 13280
الجمعة 11 صفر 1430   العدد  13280
نوازع
رسالة عمر في القضاء
د. محمد بن عبدالرحمن البشر

 

رسالة عمر في القضاء جامعة لأحكام صالحة لكل زمان ومكان، وأرى أنها تتعدى أحكام القضاء إلى السلوك الإنساني في إدارة الإنسان لذاته وتعامله مع غيره، لا سيما وأن فيها من المعاني ما يكفل لنا سلوكاً نيراً في تعاملنا، في وقت غاب فيه كثير من التطبيق الحقيقي للبحث عن الصواب في معاملتنا الإنسانية والمادية، ويبقى البعض منا يردد معاني جميلة وقيماً رائعة وينادى بها، غير أنه قد لا يطبقها في تعامله اليومي مع ذاته ومع غيره، فكم نحن في حاجة إلى ترجمة فعلية لما نسمعه ونقرأه ونتحدث عنه، ونتغنى به.

وعندما ولى عمر بن الخطاب، أبا موسى الأشعري الكوفة كتب له في ذلك الكتاب المشهور الذي تدور عليه أحكام القضاء وهي مستوفاة فيه.

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبدالله عمر بن الخطاب إلى عبدالله بن قيس

سلام عليك

أما بعد فإن القضاء فريضة مُحكمة وسنة متبعة، فافهَم إذا أُدلي إليك فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له. وآس بين الناس في وجهك، ومجلسك، وعدلك، حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك.

البيّنة على من ادعى، واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحلّ حراماً أو حرم حلالاً، ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس فراجعت اليوم فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل.

الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في الكتاب أو السنة، أعرف الأمثال والأشباه ثم قِس الأمور عند ذلك، فاعمد إلى أحبّها عند الله وأشبهها بالحق في ما ترى، واجعل لمن أدّعى حقاً غائباً أو بيّنة أمداً ينتهي إليه فإن أحضر بينته أخذت له بحقه وإلا استحللت القضاء عليه فإن ذلك أنفى للشك وأجلى للعمى.

المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلوداً في حدّ أو مجرى عليه شهادة زور أو ظنيناً في نسب أو ولاء. فإن الله سبحانه وتعالى تولى منكم السرائر وأدرأ عليكم بالبينات، وإياكَ والقلق والضجر والتأذي للناس والتنكر للخصوم في مواطن الحق التي يوجبُ الله فيها الأجر، ويحسن بها الذخر فإنه من يصلح نيته في ما بينه وبين الله ولو على نفسه يكفِه الله ما بينه وبين الناس.

ومن تزين للناس بما يعلم الله منه غير ذلك يشنه الله، فما ظنك بثوابٍ عند الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته. والسلام عليك.

أسألك أيها القارئ الكريم، ألم تجد فيها من درر الكلام ما يدعوك إلى التأمل، ومن المعاني ما تطرب له جوارحك، ويستأنس به قلبك، لكن أسألك بالله هل فعلاً ستطبق ما جاء فيها في حياتك اليومية عندما تكون مسؤولاً صغيراً كنت أم كبيراً. أم ستظل تتغنى بالألفاظ دون التطبيق على واقع الحال؟




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد