Al Jazirah NewsPaper Saturday  07/02/2009 G Issue 13281
السبت 12 صفر 1430   العدد  13281
يجب أن يتوقف
فوزية البكر

 

المنظر يتكرر عبر شوارع مدينة الرياض.. سيارات الداتسون أو النقل المتآكلة تمخر عباب الشارع غير آبهة بمن حولها وفي الصندوق تتكور كومة (أو أكوام) من اللحم البشري تلتف حول نفسها لتتقي رياح ليال يناير القارسة البرودة أو لهيب أشهر الصيف التي لا تطاق.

هذه الأكوام هي في العادة من العمالة الرخيصة داخل مؤسسات الصيانة أو الإنشاءات أو ما شابهها.....

..... ممن قدر لهم أن يعملوا تحت رحمة من لا يرحم. يقول المصطفى عليه السلام نقلاً عن أنس بن مالك: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه وهو الذي قال: اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. فهل هناك أكثر وضوحاً وشفافية من هذه المبادئ؟؟ وهل يتخيل أي من ملاك هذه المؤسسات أو المشرفين عليها أن يكون هو أو ابن له أو قريب في مثل هذا الوضع غير الإنساني وكيف وصل بنا الأمر نحن الذين نزهو بانتشار مفاهيم الرحمة والتعاطف والتواد بين ظهرانينا إلى هذه المرحلة من انعدام حتى الحد الأدنى الإنساني في التعامل مع العمالة الأجنبية وغير الماهرة على وجه التحديد.

في السادس من هذا الشهر (أي أنه كان البارحة) تعرضت المملكة للمساءلة من قبل لجان حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بجنيف للتعرف على مدى التزام المملكة بالاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها في ما يتعلق بحقوق الإنسان!!!! وقد قدمت المملكة تقارير مفصلة مبنية على دراسات وإحصاءات حول ما تم إنجازه في مختلف الحقول فيما له علاقة بهذا الموضوع وأكدت على رفضها لكل أشكال التمييز الجنسي أو العنصري سواء تعلق الأمر بالعمالة الوافدة أو المرأة أو الأطفال.. أكثر المواضيع حساسية في الواقع السعودي. وقد تكون الوفد السعودي من عدد كبير من ممثلي مختلف القطاعات الحكومية وممثلي بعض مؤسسات المجتمع المدني للتعبير عن وجهة نظر المملكة والتي تعي من خلال التزامها بالمواثيق والمعاهدات الدولية أنها حين وقعت على هذه الاتفاقيات وحين تحضر هذه الاجتماعات إنما تفعل ذلك إيماناً منها بأهميتها وإيماناً منها بضرورة الالتزام بهذه الأعراف التي تعارف عليها البشر في وقتنا الحاضر وفي ظل حضارتنا الإنسانية التي تقيم كل الوزن لمفاهيم حقوق الإنسان بغض النظر عن جنس من نتحدث عنهم أو لونهم أو معتقدهم أو مهنهم أو أصلهم ولذا تأتي مثل هذه الظروف المعيشية الصعبة للكثير من هذه العمالة وغيرها (مثل العمالة المنزلية) لتقلب الطاولة في وجوهنا وتذكرنا بما يعيشه هؤلاء (البشر!!) من ظروف قاسية وأحيانا مريعة لا تتلاءم ولا توفر الحد الأدنى للاحتياجات الإنسانية.

هنا يأتي دور الدولة في وضع قوانين صارمة يرغم فيها أصحاب العمل على تطبيق البنود المتعلقة بالحقوق الشخصية والمالية وبالظروف المعيشية وبالتعاملات الإنسانية للعمالة غير الماهرة مع تحديد واضح للمعاني داخل هذه القوانين فما قد يراه أحدهم عدلاً قد أراه أنا إجحافاً سواء تعلق الأمر بأسلوب التعامل أو الخدمات المقدمة أو نوع السكن أو الخدمات الصحية المقدمة ووسائل النقل والسكن والكثير من التفاصيل الكثيرة التي (تصدمنا) يومياً في التعامل مع هذه العمالة ومن ثم كان واجباً تحديد المعايير المعيشية على أساس المعايير المقبولة على المستوى العالمي والتي لا بد من الالتزام بها لتحقيق شروط الاتفاقات الدولية التي التزمنا بها.

أثق أن هناك الكثير من القوانين المكتوبة فيما يخص هذه القضايا لكن أهم عقبة حقيقية تواجهنا في سبيل تطبيق هذه القوانين هي في التهيئة الذهنية المصاحبة لها فالمؤسسة الحكومية أو صاحب العمل قد يتغاضى عن تطبيق الكثير لأنه لا يؤمن بها أصلاً ولا يرى أن ما يفعله يتنافى مع الممارسات السائدة بين المؤسسات المماثلة كما أن القيم الاجتماعية السائدة في ما يخص تقدير المجتمع وموقفه العام من هذه العمالة لا يتعارض مع ممارساته بل يؤيدها ولذا فإن أي عمالة رخيصة تأتي هنا وهي تعرف سلفا أنها ربما تتعرض للإهانة وأن الكثير من حقوقها ربما يستباح ليس فقط من رب العمل بل من كل مواطن يقع العامل المسكين في طريقه سواء كان رجل شرطة أو موظف حكومي أو مواطن في الشارع أو مراهق في الحارات أو أطفال في الشارع.. كل هذه الفئات تتزاحم لتفريغ تناقضاتها وأساليب عيشها غير المستقرة بفعل ظاهرة التغير الاجتماعي في هذا العامل المسكين الذي لا يملك إلا أن يقبل فالفقر قتال.

حملة (الرفق بالإنسان) التي ظهرت في مدينة جدة (وكتبت عنها في مقالة سابقة) هي إحدى وسائل بعض من يخاف الله في هذا المجتمع للرفق بالعمالة ونشر قيم مضادة لأساليب الاستغلال غيرالإنسانية التي تقع عليهم لكنها وحدها لا تكفي فالمسائلة متجذرة كنماذج سلوكية يتبعها الجميع دون أن يروا غضاضة في ذلك فأنت تقف في محطة البنزين لتسمع السعودي (أكثرهم حتى نكون أكثر دقة) يسب ويستهزأ بعمال المحطة غير السعوديين دون سبب وهو ينزل متجهما غاضباً ومقطباً ويصرخ في الغالب دون مبرر وأنت ترى أن رجال الشرطة لا يتوقفون عن اضطهاد السائقين والليموزين لمجرد أنهم عمالة غير سعودية والأمر نفسه حتى على خطوط الطيران السعودية حيث يعامل هؤلاء وبدون أدنى سبب وكأنهم لا يفهمون (وكأنما يفترض بهم أن يفهموا اللغة العربية ويتمكنوا من التعبير بها عن احتياجاتهم من أول يوم يصلون فيه المملكة) وحتى بين أوساط المتعلمين تبدو السخرية والتحقير من شأن العمالة غير السعودية صارخة فالنكات على الجوال حول العمالة كذا والعمالة كذا لا تتوقف والقسوة في المعاملة وإلقاء الأوامر والنواهي وكأنهم يتعاملون مع عبيد مملوكين هي نماذج متكررة نراها كل يوم والأمر كما أتوقع أسوأ بكثير في المناطق والأرياف من حيث حظ هذه العمالة في قليل من الرأفة فهل نتوقف؟؟

مالذي نحتاجه كمجتمع لإيقاظنا من سبات عميق تخدرنا فيه لقرون واستيقاظنا على مفاهيم جديدة مبنية على تساوي القيمة الإنسانية للجميع نساء ورجالاً، صغاراً وكبار ألواناً وأجناساً وأدياناً ومعتقدات حتى لو اختلافنا في الواجبات المسندة إلينا ومهما تفاوتت الصلاحيات المعطاة لنا.. لكن تبقى القيمة الإنسانية واحدة لا تتغير في كل الحالات.. ما هي الوسائل القانونية والإعلامية التي ستساعدنا وتساعد حكومتنا على الالتزام ببنود القوانين الدولية وتحقيق العيش الآمن والإنتاج والولاء لهذه العمالة. أفيدونا فنحن في حالة تعلم مستمرة لكن يجب أن يدخل الجميع فصل التمهيدي في فهم وتطبيق مفاهيم حقوق الإنسان كي نتعلم ونتوقف! في الحق يجب أن نتوقف!!.






 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد